زينب قنبر_
لن يكتمل ثوب الديمقراطية التشاركية، ورونقها دون أن تأخذ المرأة دورها بعين الاعتبار، لأن المرأة تلعب الدور الأكثر أهمية في الإنتاج، وإعادة الحياة الاجتماعية إلى شكلها الطبيعي.
فالديمقراطية هي أسلوب متكامل في الحياة، لممارسة المرء دوره في النواحي كافة، والذي يبدأ من العائلة.
لا يمكن إنكار دور المرأة في هذا الصدد، وعلينا أن نولي أهمية كبيرة للمرأة في السعي لاستيعاب دورها ضمن التيارات الرئيسية في الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية والثقافية ضمن المجتمع، فإن عملية التحول لن تكتمل دون إعطاء أهمية لدور المرأة فيها.
وقد شهدت مجتمعات الشرق الأوسط، ولا تزال تشهد شتاء وربيعاً ساخنين لم يكن يتوقعه أحد، فرغم حالة الاختناق السياسي والاقتصادي، والاجتماعي المتصاعد، والذي تشهده المنطقة على مدار السنوات العشر السابقة فهي تواجه درجة كبيرة من التعقيد من ناحية، وبتعداد مساراتها والاختلاف الواضح في نتائجها من ناحية أخرى، وهذا يعتمد على مستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، بالإضافة للظروف الإقليمية والعالمية السائدة في اللحظات التاريخية التي يحدث فيها هذا التحول.
فعملية التحول تحتاج إلى عملية نهضوية في ذهنية المجتمعات، للوصول لحلول مهمة من خلال توعية الجنسين، لتتخلص المرأة من أثر الرجل والنظام الدولتي المستبد؛ لتحقيق قدر أكبر من الحرية السياسية، كون عملية التغيير الديمقراطي تنطوي على تدفق سياسي متمحور من فكر ديمقراطي تشاركي.
ومن خلال التحديات نحو تحولات ناجحة تعبر عن عمق مفهوم الديمقراطية، يكون التحدي بالقدرة على الاستمرار بالالتزام بتعميق الديمقراطية.
هذه التحديات السياسية، التي تدعم الديمقراطية، قد تتعرض لانعدام اليقين أثناء فترة التحول، وما يصاحبه من قلق شعبي وفوضى وأزمات وانسداد قنوات التحول، في ظل تعادل القوى بين النظام المركزي، والقوى المطالبة بالتغيير الديمقراطي، التي تتخذ من الثقة والدعم الشعبي أساساً لها، بالإضافة أن الانتقال إلى الديمقراطية يحتاج إلى عقد اجتماعي توافقي بين أبناء المجتمع، يتلاءم وطبيعة المرحلة الجديدة، ويكون الضمان لحمايتها، فالتأثير الحاسم في عملية التحول الديمقراطي يكمن في التوصل إلى أرضية مشتركة، والبحث عن مواطن الوحدة بكل معانيها، لتجاوز الاختلافات البنيوية والاجتماعية والسياسية، وإيجاد طرق تعامل مع القضايا المتجذرة، والتي تحتاج لحلول للوصول إلى الحياة الحرة، وهذا بدوره يحتاج للمصالحة بين المرأة والطبيعة وبناء نواة جديدة للمجتمع تعتمد على مشاركة الجنسين.
إن الموقف الأمثل للتشاركية الديمقراطية بين المرأة والرجل، هو ذاك الذي يتخذ من فلسفة الحرية المرتبطة بالمجتمع الأخلاقي والسياسي أساساً لترسيخ العلاقات الأساسية، في الحضارة الديمقراطية والمساواة الطبيعية، وأن يكون الطرفان مستعدين لقبول حق هذه الحياة، وأن تكون ثورة المرأة أعمق ثورات الحرية والمساواة.
فإن المرأة السورية ومن خلال الأزمة عانت وما تزال من نظام السلطة، والدولة والفوضى العارمة التي حلت بالمنطقة، هذه الأزمة التي حاولت الأطراف المتصارعة، أن تتغيب المرأة في حضورها في الساحة السياسية والاجتماعية كما يجب، وبقيت تحت رحمة السلطة الذكورية.
إلا أننا رأينا خلال هذه الأزمة النموذج المميز، الذي تم طرحه في شمال وشرق سوريا، والذي تمثل في الإدارة الذاتية الديمقراطية، التي تتخذ من الحياة التشاركية وأخوة الشعوب أساساً لها، حيث استطاعت المرأة تفعيل دورها في النضال والممارسة في المجالات الإدارية والسياسية، ليكون هذا النموذج هو الطراز الذي تقوم فيه كل الألوان بالتعبير عن ذاتها، وتمثيل إرادتها وبمشاركة المرأة والرجل في إنشاء حياة تشاركية جديدة معاً، بعيدة عن نظم الإدارة المركزية المحملة بالذهنية الذكورية، ليكون هذا النموذج العمود الفقري في بناء مجتمع ديمقراطي متكامل، يعتمد على القيم الأخلاقية، والجوهرية، وقيم المجتمع الديمقراطي، ليكون المثال الذي يحتذى به لتحقيق مشروع التحول الديمقراطي.
فالدور الذي تقوم به المرأة في شمال وشرق سوريا، بات صرحاً من صروح التاريخ لعودة المرأة إلى موقعها الحقيقي في الحياة العملية، من تطوير دورها وموقعها وممارستها في المجالات، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، إلى جانب مشاركتها في نظام الرئاسة المشتركة وصنع القرار ضمن الإدارة الذاتية الديمقراطية، والتي هي انطلاقة لترسيخ مفهوم الأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب.
