الكشف الطبي بين العجز المادي والحاجة الصحية

جل آغا/ غزال العمر ـ

يتجاوز أهالي بلدة جل آغا وريفها في شمال وشرق سوريا الطبيب؛ قاصدين الصيدليات، نظراً لغلاء الكشوفات الطبية التي ارتفعت مع ارتفاع الدولار، ليتم تحديدها من قبل هيئة الصحة بـ5000 ل.س كتعرفة ثابتة، ويخالف كلّ من يتجاوزها من الأطباء.

غلاء الكشف الطبي

يتذمر ياسين العبد الله (45عاماً) من سكان قرية كينجو وهو من ريف ناحية جل آغا الغربي، أب لخمسة أطفال يعيلهم من خلال عمله كعامل يومية، ويشكو لصحيفتنا سوء وضعه الصحي قائلاً: “أعاني من آلامٍ مزمنة في الظهر، والضغط وفقر الدم”.
وأضاف العبد الله بأنّه لم يعد يستطع ارتياد عيادات الأطباء: “أبسط تحليل يطلبه الطبيب بـ 4000 ووضعي يحتاج لأكثر من طبيب”.
ليتابع: “أصبحت أنا طبيب نفسي، أقصد الصيدلي وأصرف ذات الوصفات السابقة موفراً أجرة الكشف الطبي التي يتفاوت سعرها بين طبيب وآخر، ويستغل بعض الأطباء شهرتهم ومهارتهم ذائعة الصيت بين الناس، ولا يلتزمون بالتسعيرة المحددة”.
“نطالب برفع التسعيرة”

أما الأطباء يشعرون أيضاً بأنّ هذه التعرفة الخاصة بالكشوفات الطبية لا تنصفهم ولا تغطي مصاريفهم، ولا تعوض أتعابهم وثمن أجهزتهم الباهظة، حيث يقول أحد أطباء الأطفال، رفض التصريح عن اسمه، من ناحية جل آغا (خ. ط): “المعاينة كانت بـ500 ليرة أي ما يعادل 12 دولار آنذاك أيّ ما يقارب 35000 حالياً، لذا نطالب برفع التسعيرة”.
“أحلاهما مرّ”

وذكر أحد المرضى، أحمد الخلف (35 عاماً)، من ريف ناحية تربه سبيه الذي يقصد عيادات الأطباء بكثرة لعلاج طفلته المولودة حديثاً، وتعاني من ضمور دماغي وفشل نمو، بأنّهم أصبحوا لا يأتون للمراجعة لما يلاقونه من سوء معاملة لهم كمراجعين تختلف عمن يأتي لأول مرة، ويقول مستاءً: “الكشوفات الطبية والتحاليل والأدوية والمشافي أمور تحتاج لحل، فالمواطن أمام خيارين أحلاهما مرّ، إما أنّ يموت مريضه أمام عينه، أو يتسول بالشوارع، ابنتي لم تكمل الشهر بعد وصرفت على كشوفات الأطباء وما يلحق بها ما يقارب المليون”، ليشير أحمد الخلف إلى أن هناك أناس يتمنون موت مريضهم ليس كرهاً به لكن رحمة لحاله وحالهم.

الطب مهنة إنسانية
أما الطبيب إبراهيم الخدعان أخصائي الأذن الذي تكتظ عيادته بالمراجعين والمرضى في بلدة كركي لكي فإنه يأخذ 2000 ليرة فقط لقاء معاينته المرضى، يمارس الخدعان مهنته منذ 15 عاماً: “عيادتي مفتوحة للجميع، والطب مهنة إنسانية، ووضع الناس مأساوي”.
ولا يعتبر الخدعان الطبيب الوحيد في ناحية كركي لكي، الذي يشعر بالناس وتكاليف العلاج الباهظة، وقد كثر من حذا حذوه رفقاً بالوضع المعيشي لغالبية السكان، تحت شعار “الطب مهنة إنسانية والمال زائل”.
تقول (ع. أ) (27 عاماً) من ناحية جل آغا المرأة التي جاءت بطفلتها تقصد عيادة الخدعان: “وضع ابنتي جعلني آتي بها ولا أملك سوى أجرة الطريق”، وأضافت: “عندما يتفهم الطبيب وضعك المادي تشعر بالراحة النفسية”.

الجهات المعنية تنصف المواطن

موضوع أرهق الأهالي توجهنا به للرئيس المشترك لمديرية الصحة في ديرك، الطبيب محمد عدنان، الذي أكد بأنّه في حال ورود شكوى رسمية بسبب تفاوت أجور الكشف الطبي وتلاعب بعض الأطباء بها فإنه ستتخذ الإجراءات القانونية بحقه ويتعرض للمساءلة والتغريم.
وفيما إذا كان ثمة حلول من قبلهم كجهات معنية بتوفير الخدمات الطبية والعلاجية تغني المواطنين عن عيادة الطبيب، قال العدنان: “ثمة ست مستوصفات مجانية تتوزع في بلدات ريف ديرك كركي لكي وجل آغا وتل كوجر، والبقية تتموضع في الأرياف، وتابع: “مشفى الشعب بديرك الذي يوجد فيه كافة الاختصاصات ويقدم العلاج بالمجان”، يفتح أبوابه لاستقبال المرضى وتسجيل أسمائهم من الثامنة صباحاً حتى 12 ظهراً”.
وبالنسبة لأجور الكشف الطبي المعاينة ثابتة ومحددة بـ 5000 ل.س من قبل هيئة الصحة لو وصل الدولار لـ 4000.
وأشار الرئيس المشترك لمديرية الصحة بديرك “محمد عدنان” إلى أنهم مستعدون لتلقي أية شكوى ومتابعتها، ناصحاً المرضى بعدم تجاوز دور الطبيب، فالصيدلي ليس مخولاً بتشخيص الحالات المرضية.
أناس تجبرهم الحياة عن التخلي عن أشياء كثيرة، وأهمها الصحة التي باتت عرضة للتدهور في زمن يقف الدولار فيه كالسياف يحدد مصير البشر وطريقة معيشتهم.