الفوضى الخلاقة ونظرية المؤامرة

عزيز سليمان (كاتب وإداري في مجلس سوريا الديمقراطية)_

لمعرفة المزيد عما يجري في العالم من تحولات اقتصادية أو سياسية، هناك عوامل كثيرة مرتبطة بالتحولات التي شهدها العالم، ولفهم هكذا نظريات كالفوضى الخلاقة ومشروع الشرق الأوسط الجديد أو صفقة القرن ومشاريع أخرى مرتبطة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي هي من أكثر الأماكن سخونة في العالم، وبالطبع ينبغي أن نعود قليلاً إلى الوراء، فجميع النظريات الفلسفية أسندت إلى وقائع في ثلاث دول فرنسا وإنكلترا وألمانيا، حيث كان نصيب الثورات لفرنسا والفلسفة لألمانيا والاقتصاد كان من نصيب الإنكليز.

وبالمجمل، من أين جاء مصطلح الفوضى الخلاقة؟، في الواقع حدث هذا نتيجة الاضطرابات وحالة الجوع وارتفاع الأسعار بفرنسا والشتاء القاسي، وتلا ذلك أحداث شغب كانت السلطات مقسمة فيه كالآتي: الملك لويس السادس عشر حاكماً، تليه الكنيسة الكاثوليكية، ومن ثم طبقة النبلاء التي تتألف من الإقطاعيين وهم ملاك الأراضي، بالإضافة إلى الطبقة المسحوقة وهي تتكون من الرعية والفقراء، وبالنظر إلى ذلك فالحاكم الفعلي كان الكنيسة طبعاً، ونتيجة هذه الاحتجاجات زاد الملك الضرائب فرفضه الرعية والفقراء الذين لا يملكون أصلاً المال، فاجتاح الشعب الغاضب سجن الباستيل لإطلاق السجناء والبحث عن أسلحة، وأخيراً سقط السجن فيما عرف الغرب أن ذلك أعظم حالة فوضى بالتاريخ الحديث من خلال الثورة الفرنسية.

هذا يقودنا لمعرفة أو تعريف الفوضى الخلاقة: هي حالة سياسية يتوقع أنها تجلب الراحة بعد مرحلة فوضى متعمدة. هذا التعريف أيضاً يشبه تعريفاً بعلم النفس حسب العالم (مارتن كروز) الذي يقول: «إن النفس تصل لحافة الفوضى ويفقد ضوابطه وعندها تحدث المعجزات، فيصبح على خلق هوية جديدة، بقيم مبتكرة ومفاهيم حديثة تساعده على تطوير بيئة محيطه».

في حالة فرنسا طبعاً هذه الحالة تشبه الحالة السوريّة إذ شهدت فرنسا تمرداً للفلاحين الذين طالبوا بإلغاء الإقطاع، وكانت هناك فجوة كبيرة بين طبقة السلطة والشعب في الحالة السورية التي تتجسد بنسبة البطالة، الهجرة، الفساد، قمع الحريات، الاعتقالات، ازدياد الفقر بين أوساط الشعب السوري، تصاعد احتقان الفقراء، وضياع الاستقرار، وتحوّل إلى طلبات جريئة.

في حالة الثورة الفرنسية طالب الشعب بالمساواة والعدل والحرية، وهي مطالب غير مسبوقة طبعاً وروّج لها فلاسفة أمثال: فولتير وجان جاك روسو، ويعتقد أنصار النظرية أن خلق الفوضى ستؤدي حتماً لبناء نظام سياسي جديد يوفر الازدهار والحرية، وكانت بداية لتأسيس الجمهوريات الفرنسية مروراً بإعدام الملك، كما وأعدم بعض من قادة الثورة ليأتي نابليون ويعلن نفسه إمبراطوراً على فرنسا.

نظرية المؤامرة

هناك شخصيات كثيرة متهمة في العالم بأنها تقود مشاريع وتقسيم وافتعال حروب في العالم، ومن أشهر هذه الشخصيات برنارد لويس، جورج سورس، هنري كيسنجر، كونداليزا رايس، برجنيسكي.

سوف نتحدث في هذا المقال عن شخصين كان لهما دور كبير في تغير مشاريع المؤامرة وهما (برنارد لويس) و(جورج سورس). أما برنارد لويس فقد تحول من باحث ومحاضر في جامعات بريطانيا إلى سياسي أسس علاقة قوية مع حكومات شاه إيران في السبعينات، والديكتاتورية العسكرية في تركيا في الثمانيات، وكان له علاقات مع السادات في مصر، وكان عرّاب السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

لمع نجم لويس إبان قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بسبب نبوءة له قبل ثلاثة أعوام، وتنبأت بتراجع الأنظمة العلمانية وصعود حكومات إسلامية في الشرق الأوسط، وفي عام 1990نشر مقاله الأبرز تحت عنوان “جذور الغضب الإسلامي”، تناول فيه الصراع بين الإسلام والمسيحية، وخلص إلى أن العقيدتين متورطتين في صراع أبدي حيث كان لويس أحد عرابي وداعمي حرب العراق.

الرجل الخفي والعلني جورج سورس

جورج سورس أين يضع الرحال تهابه الدول وترتعش، يعد أخطر رجل في العالم وهو اللعين الذي يتحكم بالعالم ويدعم مؤسسات غير حكومية في واشنطن، والتي تقوم ببحوث حول نشر الديمقراطية، وهو أشهر مضارب في العالم تتهمه روسيا بالتجسس وتقسيم البلاد، وهو المتسبب في مصائب العالم، وهو الذي كسر بنك إنكلترا 1998والذي سمي الأربعاء الأسود، وحقق أرباحاً كبيرة بمليار دولار بيوم واحد.

وأيضاً هو مهندس الثورات الملونة في جورجيا والمجر وأوكرانيا والبلقان، وأيضاً كان له دور في الأزمة الاقتصادية في جنوب شرق آسيا التي كانت تسمى بالنمور الآسيوية وكان اقتصاد هذه الدول يعتمد على المضاربات في سوق البورصة، تدخّل سورس ولعب لعبته اللاإنسانية، حيث كانت تسمى باقتصاد الكازينو، ففي ليلة وضحاها تحولت هذه الدول من نمور إلى قطط واهتزت اقتصاداتها، ويعتبر سورس صاحب أكبر خزينة تمويل لليد الخفية والعميقة للنظام الرأسمالي.

حدود الدم مشروع الشرق الأوسط الجديد

“حدود الدم” هي مقالة للعقيد رالف بيترز، والتي نشرت في مجلة القوات المسلحة الأمريكية في عدد يوليو من عام 2006 وهو جزء من كتابه بعنوان “لا تترك القتال أبداً”. يعتقد بيترز أن إلغاء الحدود الحالية لصالح حدود إثنية وطائفية جديدة ويقوم المشروع على التقسيم والتجزئة والاقتطاع والإلحاق، فتصغر دول وتكبر بعضها ويتحول بعضها إلى دول جديدة، وتعتبر الصراعات في الشرق الأوسط والتوتر الدائم في المنطقة نتيجة منطقية لخلل كبير في الحدود الاعتباطية الحالية الذي وضعها، وبحسب قوله فإن الأوروبيين الانتهازيين والحدود غير المنصفة في الشرق الأوسط تولد إضراباً أكبر مما تستطيع المنطقة تحمله، ومفتاح فهم الفشل الكبير في المنطقة ليس الإسلام بل الحدود القائمة بين دول المنطقة، وهو أمر ما يزال الحديث عنه محظوراً، وبالرغم أن المجموعات الإثنية والدينية في الشرق الأوسط اختلطت وتعايشت وتزاوجت فأنه لابد من إعادة رسم الحدود لإنصاف الأثنيات الموجودة.

ويذكر بيترز أولئك الذين لا يريدون إعادة ترتيب الحدود باعتباره نوعاً من التفكير بالمستقبل، ويذكرهم بالتطهير العرقي السائد منذ خمسة آلاف عام بالعودة إلى ما يسميه (حدود الدم)، وأن المنطقة ستظل تعاني من الاضطرابات مادامت الحدود مضطربة وغير نهائية، أما الدول التي تدخل التقسيم في مقالة بيترز هي: العراق، سوريا، الإمارات، السعودية، إيران، الأردن، باكستان، أفغانستان، تركيا، لبنان. يعتقد الكثير أن هذا الطرح هو أقوى المشاريع التي يتبناه الكونغرس الأمريكي بشكلٍ غير معلن، ولكن السؤال الذي قد ينتاب أذهاننا متى سوف تنتهي هذه الفوضى الخلاقة؟، هل يمكن أن نقول إنها مازالت في بدايتها؟.