محمد داوي –
ليست المعرفة ما يمتلكه الإنسان، وإنّما الجهد الذي يبذله للوصول إليها، فالتملك يجعل العقل جامداً راكداً كسولاً.
إنّ كلّ فكرة تتألف من مجموعة من الصلات والعلاقات، والفكرة تكون فارغة إذا تجرّدت من العلاقات، فالشيء لا معنىً له إذا تجرّد عن العلاقات والصلات، وصلة التعارض هي أكثر أهميّة، فكل حالة فكرة أو شيء وكلّ رأي وكلّ موقف في العالم يؤديّ إلى موقف معارض له، وبعد إذ تجد هذا المعارض أو المضاد معه لتشكيل كلٍّ أعلى.
إنّ الأفكار والكون وأي تطوّر تنتقل من وحدة إلى تعارض، ومن تعارض إلى وحدة، ولكن الوحدة والانسجام بين الحقيقة والمثل الأعلى يؤدّي إلى مستوىً أرقىً وأفضل في التنظيم والتركيب والوحدة، وحركة الأفكار هي نفس حركة الأشياء. في كلّ واحد منها نفس التطوّر، من وحدة إلى تعارض ومن تعارض إلى وحدة، وأما مهمة العقل فهي اكتشاف الوحدة الكامنة في التعارض أو التغاير، ومهمة علم الأخلاق هي توحيد السلوك والأخلاق، ومهمة السياسة هي توحيد الأفراد داخل الدولة ومهمة الدين هي بلوغ المطلق (الله) والشعور بأنّه ذلك الذي تحلّلت فيه جميع التناقضات في وحدة، فيما الصراع هو قانون النمو، كما أنّ الأخلاق تتشكّل في الشدائد في هذا العالم والإنسان يصل إلى سموه الكامل عن طريق الإلزام والحاجة والمسؤوليات والشدة والألم، والألم في حدّ ذاته علاقة الحياة والحافز لإعادة البناء.
إنّ الحياة لم توجد للسعادة بل لتحقيق الأعمال وإنجازها، وما يقوم به الإنسان ليس سوى تحقيق لما ترسمه روح العصر، المادة والروح، إنّ ماهية المادة الثقل، ولكن جوهر الروح هو الحرية، والمادة خليط مركّز من أجزاء يستبعد بعضها بعضاً فهي تسعى نحو الوحدة، ويهدم نفسه ويتجه نحو نقيضه، نقطة لا تقبل القسمة، والروح توجد في ذاتها بذاتها بعكس المادة وجودها في ذاتها وتلك بعينها هي الحريّة.