العزلةُ تتخطَى الحدودَ والقوانين كلّها

دجوار أحمد أغا_

بالرغم من وضع القائد عبد الله أوجلان في سجن منفرد، بجزيرة معزولة عن اليابسة، وذات حراسة مشددّة ـربّما تتجاوز حراسة معتقل “غوانتانامو” الأمريكي الشهير في جزيرة كوبا-، إلى جانب ذلك، فالزنزانة التي يقيم فيها ضيّقة، وغير ملائمة لسجين رأيّ، وصاحب قضية بحجم القائد أوجلان، غير أنّ نظام أردوغان، المستند الى تحالف AKP – MHP  الفاشي العنصريّ، لم يكتفِ بذلك، بل سعى، ومنذ اليوم الأول لاعتقال القائد أوجلان، إلى تصفيته، وإنهاء وجوده. يتبيّن ذلك بكلّ وضوح من خلال حيثيات 31 ايار 1999، وانتهت في 29 حزيران من العام نفسه، بالحكم عليه بالإعدام، لكن الحكم لم يُنفذ بناء على طلب الاستئناف، المقدّم من محامي القائد، ورفع القضية للمحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان في ستراسبورغ، التي وافقت على قبول طلب الاستئناف، وفيما بعد اُضطُرَّت السلطات القضائية التركية، إلى الغاء عقوبة الإعدام، والحكم بالسجن المؤبّد، بتاريخ 4 تشرين الاول سنة 2002.

الإنسانيّة: هي الصفة التي تُميّز الجنس البشري عن غيره من الكائنات الحية، ويُعرِّفها الفيلسوف الألماني، إيمانويل كانط (1724 – 1804): إنَّها هدف الأخلاف وأساس فكرة، بينما الفيلسوف الفرنسي، أوغست كونت (1798 – 1857)، يوقل: إنّها تُشكّل كائناً اجتماعيّاً، يتطوّر مع الزمن ويرتبط بقيم معينة مثل الإحسان، الإيثار، الاحترام، التعاطف، التفاهم، قبول الآخر، وغيرها من الالتزامات الأخلاقية، التي تُنظِّم العلاقة بين البشر.

بالعودة إلى النظام التركي الحالي، فهو بعيد كلّ البعد عن الإنسانيّة، وعن القيم التي ترتبط بها فهو، لا يقبل رأي معارض له، ولا يسمح بالتعاطف بين أبناء الشعب الواحد، ويزجُّ بالسجون والمعتقلات كلَّ من يعارض سياساته العدائية تجاه الكرد، وتجاه البيئة، وتجاه القوى اليسارية والديمقراطية التركية، وتجاه كلّ ما يمت للإنسانيّة بصلة، فهو لم يكتفِ بتجريد المفكِّر، والقائد أوجلان من  حقوقه المدنيّة والسياسيّة كافة، وحتّى حقوق السجين العادي، بل مُنِعَت عنه الزيارات من جانب هيئة المحاميين، وكذلك عائلته، وبذلك قَطْعُهُ عن العالم الخارجي كلياًّ، أيّ عزله بشكل ممنهج، وعن سبق إصرار وتصميم، بهدف إجباره على التخلّي عن قضية الديمقراطية، والحلّ السلميّ لقضية الشعب الكردي في باكور، وبقية أجزاء كردستان.

هذه العزلة المستمرّة منذ سنوات، لم تشفِ غليل الطاغية؛ كون القائد أوجلان قاومها بكلّ قوّة، ولم يستسلم، وجعل من معتقل جزيرة إيمرالي، منبراً للفكر الحرّ، ومكانا لحلّ القضايا العالقة في تركيا، وباكور كردستان، وعلى رأسها القضية الكردية؛ لذا توّج النظام الفاشي القمعي التركيّ، ممارساته بحقّ القائد؛ بمنعه من حقّ الخروج الى باحة السجن والمشي، يهدف النظام من هذا الإجراء النيل من إرادة القائد أوجلان، والحصول على تنازلات منه، فيما يخصّ حقوق الشعب الكرديّ، والتي من أجلها دخل عامه الرابع والعشرين، وهو معتقل وراء القضبان، عندما لا تستطيع السلطة الحاكمة الحصول على ما تريد من السجين والمعتقل لديها، تعمل على تصفيته، أيّ إنهائه جسديّاً.

القائد والمفكّر عبد الله أوجلان، ليس شخصاً عادياًّ، يقضي عقوبة السجن المؤبّد بمعتقل في تركيا، إنّما هو ممثّل لقضية شعب، ومدافع عن حقوق هذا الشعب، وسائر شعوب العالم، وهو مفكّر من الطراز الرفيع، نبشَ التاريخَ من جديد، وأخرجَ للعلن، ما كان مخفيّاً منه خاصة، نضالات، وكفاح، ومقاومة الشعوب ضد الهيمنة والاستبداد، وعلى وجه الخصوص الممارس بحقّ المرأة، بدءًا من ربّ الأسرة، ومروراً بربّ العمل، وانتهاءً بالمجتمع ككلّ، هذه النظرة الدونية بحقّ المرأة، رفضها القائد جملة وتفصيلاً، وقد أكّد على إرادة المرأة الحرّة، وأعطاها القوّة، لتتمكّن من إدارة نفسها بنفسها، وتسير على قدم المساواة وجنباً الى مع الرجل، وهو ما أزعج الأنظمة الذكورية والشمولية، ومنها نظام أردوغان، العاجز تماماً عن استيعاب فكرة حرية المرأة، والقضية الكردية، وحلّها بشكل سلميّ، مما يدفع بهذا النظام الى تشديد العزلة على القائد، والعمل على إنهاك قواه، والضغط عليه من النواحي النفسية والجسدية جميعها، وصولا الى مبتغاهم في الحصول على تنازلات من القائد، أو العمل على إنهائه جسديّاً .

لذا؛ لا بدّ لشعبنا الكرديّ، على وجه الخصوص، شعوب المنطقة كافّة، وخاصة مَنْ يستظلّ بفكر وفلسفة القائد أوجلان في شمال وشرق سوريا، شعوب العالم كافة المحبّة للسلام، أن تستمرَّ في السعي للوصول الى الحرية الجسدية، للقائد أوجلان، والعمل على رفع وتيرة التظاهر والاحتجاجات، والمشاركة بالحملات الأمميّة، ونشرها على أوسع نطاق، ليس لتخفيف إجراءات العزلة، بل للإفراج الفوريّ عن القائد أوجلان، كونه سجينَ رأيٍّ، وصاحبَ قضيةٍ، ومفكّراً أمميّاً.