سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الطلاق الصامت؛ موت خفي يهدد العش الزوجي

روناهي/ منبج- أجسادٌ تتظاهر بالقوة وهي تتآكل من الباطن يوماً بعد يوم ولم لا؟ وهل يمكن للإنسان أن يعيش جسداً بلا روح وقلباً بلا عاطفة وحياة بلا مشاعر؟ ثم كيف لتلك الأرواح المنهكة أن تمد فلذات أكبادها بالدفء والأمان وتغمرهم بالحب والحنان، واقع يدمي القلب ويحزن له الفؤاد، واقع مأساوي يدفع جميع أفراد الأسرة فيه الثمن.
الأصل في العلاقة الزوجية التفاهم والحب، إلا أن العديد من الأزواج جسدان يتحركان، يؤديان واجباتهما الأسرية بجفاف وبصورة رسمية بعيدان كل البعد عن بعضهما مشاعر وعاطفة، وعلى الرغم من قربهما مكاناً ولكنهما مجردان من العاطفة لبعضهما، ولا يشعران ببعضهما.
زواج مع وقف التنفيذ؟!

وبهذا الصدد، ولمعرفة المزيد عن موضوع الطلاق الصامت، التقت صحيفتنا “روناهي” بعضوة مجلس المرأة السورية، فرع منبج وريفها؛ رولا عثمان.
وحول تعريف الطلاق العاطفي الصامت، حدثتنا رولا عثمان قائلةً: “إنه حالة غياب المشاعر والعواطف من الحياة الزوجية فيعيشان في مكان واحد وتحت سقف واحد وكأنهما غريبين عن بعضهما البعض وهما مضطران إلى ذلك إما حفاظاً على شكل الأسرة أمام المجتمع الذي يستنكر الطلاق الفعلي عادةً أو حفاظاً على الأولاد من الضياع. ولا تقتصر الآثار السلبية للطلاق العاطفي على الزوجين بل إنها تمتد إلى باقي أفراد الأسرة”.

 

غرباء داخل المنزل
مضيفةً بأن هناك عدداً من أنماط الطلاق العاطفي “الصامت”، تتجلى فيما يلي: “الطلاق العاطفي الذي يتخذ وضعاً صامتاً، فعلى الرغم من انعدام المشاعر بين الزوجين إلا أنهما هادئان، كما لو تم اتفاق فيما بينهما على ذلك. إضافةً إلى أنه قد يتخذ وضعاً عاصفاً بحيث تشق أجواء الصمت فيما بينهما بين الفترة والأخرى زوبعة من الصراخ والصياح. فضلاً على أن  يكون من جهة الزوجين معاً أو قد يكون من أحدهما فقط؛ بسبب ما فيعمد إلى إماتة مشاعره تجاه الطرف الآخر عمداً أو أنها قد تدخل في سبات تدريجياً من غير قصد رغم حياة مشاعر الطرف الآخر تجاهه ورجواه بالعودة إلى سابق عهده”.
تعددت الأسباب والطلاق واحد
وعن أسباب الطلاق “الصامت” قالت رولا: “بطبيعة الحال لابد من وجود أسباب وراء الطلاق العاطفي، إذ كيف للمشاعر التي تأسست للزواج أن تبرد فجأةً لتتحول العلاقة إلى علاقة محددة بقوانين روتينية جافة؛ خالية من المشاعر، ويمكن أن تكون هذه الأسباب على النحو التالي: الضغوطات المادية التي يتعرض لها الزوجان في حياتهما أحد أهم الأسباب بالانفصال العاطفي؛ بسبب حجم الضغط الذي يتعرض له، فتجدهما منغمسين في تأمين مستلزمات البيت والأولاد، مبتعدين شيئاً فشيئاً عن كل ما يؤجج العاطفة دون انتباه منهما”.
متابعة: “كما للأنانية دور هام في ذلك، حيث ينظر الزوج أو الزوجة إلى حقوقه ومتطلباته فقط، وينسى حاجات ومتطلبات الطرف الآخر، ويؤدي تكرار مثل هذا الموقف إلى الوصول إلى حالة الطلاق أو الانفصال العاطفي، مثال: الأنانية في العواطف أي ممارسة العلاقة الرومانسية حسب رغبته هو وقت ما يريد دون مراعاة الطرف الآخر”.
بين الإساءة والخيانة..
وتابعت: “لا شك أن الإحساس بالضعف من قبل أحد الأطراف في العلاقة الزوجية وعدم القدرة الجنسية على التفاهم والتواصل مع الطرف الآخر ولاسيما إذا كان الرجل هو موضوع ضعف على عكس السائد في العلاقة الزوجية. وكذلك إساءة تحديد الأولويات وذلك بتفضيل الآخرين على شريك الحياة، ويعد هذا من أهم أسباب الطلاق العاطفي كأن يفضل الزوج أهله وعمله وأقاربه وأصحابه على زوجته أو أن تفضل الزوجة عملها وأولادها وأهلها وصديقاتها على الزوج مما يشعر الطرف الآخر بعدم الأهمية”.
إضافةً إلى السبب الرئيس للطلاق العاطفي،  فإن ظاهرة الخيانة الزوجية التي انتشرت بشكل كبير في الفترة الأخيرة سبب آخر يدفع إلى الطلاق العاطفي، فنجد الرجل أو المرأة يتكون لديه حرمان عاطفي ليس بالضرورة حرمان جنسي ولكن أن يكون حرمان من المودة والحب والاهتمام.
الخرس الزوجي؛ طاقة سلبية تهدد الأسرة
وبيّنت رولا عثمان تأثير الطلاق الصامت على الزوجين: “إن تأثير الطلاق الصامت على الزوجين لا تقل آثاره السلبية عن الطلاق الفعلي، بل تكون أشد في أحيان كثيرة، فأما بالنسبة للزوجين، فهو ينتزع من قلبيهما الحب والود لبعضهما ويجردهما من الاهتمام ببعضهما، وأي حياة هي تلك التي تخلو من الحب وتتجرد من الاهتمام”.
منوهةً بأنه وعلى الرغم من أن الطلاق العاطفي يترك آثاره السلبية على الطرفين إلا أنه يكون على الزوجة أشد وأصعب لأنها الأكثر حاجة إلى العاطفة والاهتمام من جهة، ومن جهة أخرى فإن الزوج بإمكانه أن يعوض ما يفتقده في حياته الزوجية هذه في حياة زوجية أخرى، أما الزوجة فليس لها ذلك لذا يمكن اعتبار الطلاق العاطفي من أهم أسباب التي تدفع الزوجة إلى الخيانة وإن كان ذلك ليس مبرراً لها.
محصلة الجفاف العاطفي؛ التفكك
مشيرةً إلى أن تأثيره على الأبناء، أظهرته عدد من الدراسات؛ بسبب الالتفات إلى حاجات الأسرة اليومية والاعتيادية بعيداً عن الاهتمام بمشاعر الأبناء. ففي حالة الطلاق العاطفي يعيش الأبناء حالة من القلق لسوء العلاقات بين الزوج والزوجة والتي تصل في مراحل متقدمة إلى شتم كل منهما الآخر.
وأردفت: “إن الأبناء يعانون من الاكتئاب الشديد وعدم القدرة على مواجهة الحياة لا سيما في مرحلة المراهقة من الانحراف في محاولة منهم للبحث عن الحنان المفقود داخل الأسرة التي تعد المرجع الأول للأبناء في علاقاتهم المستقبلية ومن هنا سيطبق الأبناء ما عاشوه في بيتهم على أسرهم في المستقبل”.
حلول للتغلب على آفة “الطلاق الصامت”
أكدت رولا عثمان في حديثها عن علاج الطلاق العاطفي “الصامت” بالقول: “على الرغم من وقوع الطلاق العاطفي أو الانفصال العاطفي إلا هناك طرقاً لعلاجه، سنستعرض هنا بعض النصائح التي قد تكون مجدية في علاج الطلاق الصامت منها: زيادة الصراحة والوضوح بين الزوجين ومحاولة فهم الآخر. ففهم هذه التفاصيل يساعد في حل مشكلة الطلاق العاطفي مع الوقت، بمعنى دقيق التغاضي عن الأخطاء. وخلق لغة حوار وتفاهم بين الزوجين، والعمل دائماً على التوصل إلى حل يرضي كافة الأطراف في حالة وقوع المشاكل. ومحاولة الاستمتاع بالعلاقة الحميمية بين الزوجين والتغيير وكسر الروتين المعتاد في العلاقة الزوجية وتفهم حاجات الآخر والبعد عن الأنانية”.
فرصة؛ لإنقاذ الزواج
موضحةً ضرورة مشاركة الطرف الآخر اهتماماته وهواياته وشغفه، حيث أنه على كل من الزوجين مدح الآخر وإشعاره بالامتنان وتقدير أعماله وأفعاله مهما كانت بسيطة. واستعمال الكلمات الجميلة والرقيقة المحببة لكلا الطرفين بشكل دائم مما يزيد من المحبة والود بينهما. وكسر الروتين اليومي ومحاولة تجربة أمور جديدة في الحياة حتى لو كانت بسيطة جداً وغير مكلفة مثال وضع باقة ورود في المنزل.
واختتمت عضوة مجلس المرأة السورية، فرع منبج وريفها؛ رولا عثمان حديثها: “إن انتباه الزوجين إلى العلاقة الزوجية بتقوية علاقتهما وعليهما أن يتذكرا نبتتهما العاطفة، ويدأبان على ريها كل من طرفه لتبقى يانعة سائرة باتجاه الضوء الذي بدوره سيستجيب وينير بيتهما لتتمتع العائلة كلها بالاستقرار والعطاء”.