الشركس وبداية الحكاية

محمد العزو_

الحكاية بدأت مع بداية التاريخ البشري، حيث يبدأ تاريخ الشعب الشركسي، بمنطقة جغرافية، أثبتت وجودها بين الحضارات القديمة، ومنذ أن بدأ الإنسان بالتحضر، وإنشاء الدول العظمى، أجبر الشعب الشركسي التخلي عن أرضه، شعب حمل بيده السلاح على مدى أزمان طويلة وكان مجده السيف، تواق للحرية، همه الأساسي أن يعيش بسلام وطمأنينة في وطنه، لكن قرر الكبار سلبه الحق والتصرف بالأرض وتستمر الحكاية.

 القوقاز أو القفقاز /القفقاس/ أو بلاد “القبق” هي منطقة جغرافية سياسية تقع عند الحدود الأوروبية. الآسيوية، وهي موطن جبال القوقاز، بما فيها أعلى جبل في أوروبا، جبل “البروز” وغالباً ما يُقسم القوقاز إلى قسمين جنوبي وشمالي. فهذا الشعب العظيم موطنه الأساسي مرتفعات القوقاز الواقعة بين البحر الأسود وبحر قزوين. واسم الشعب الشركسي الأصلي، و”الأديغا”، كان اليونان قد أطلق عليهم لفظ شركس، ويعني “المحارب العتيد” فتبنى العالم هذه التسمية.

والشركس؛ دينهم الإسلام اليوم. يتواجد هذا الشعب في “سوريا، والعراق، والأردن، وفلسطين، ولبنان، ومصر”. سأكتفي هنا بسرد مختصر عما عاناه الشعب الشركسي بإلقاء الضوء على الوثيقة، التي بعث بها المجلس الأعلى للشراكسة إلى أمم العالم، بعد أن استبعدوا عن وثيقة “أدرنة” التاريخية. فقد تكالبت الأمم على الشعب الشركسي وسلبته العيش على ترابه. لقد حدثت المعركة الأخيرة في عام 1864 م، إذ انتصرت روسيا القيصرية على الشعب الشركسي، قرب مدينة “سوتشي”، وهو ما حاول الروس أن يطمسوا تاريخ تلك المذبحة، إذ أنهم، أي الروس، أقاموا مدينة الألعاب الأولومبية على أرض المعركة، وهو ذكرى يوم الحداد لجميع شراكسة العالم بكل بقاع الدنيا بقولهم (لم ننس، ولن ننسى). اتخذ الروس قرارهم المشين بتخيير الشعب الشركسي بين ترك أرضه إلى أراضي الشمال القاحلة، أو إلى الأراضي التركية. وكان قرار الروس هذا قد صدر في عام 1808م، إذ قررت لجنة روسية أنه من أجل إنهاء المقاومة الشركسية النبيلة ضد الإمبراطورية الروسية، يجب القضاء على الشراكسة من وطنهم، وكنتيجة للحرب التوسعية التي شنتها الإمبراطورية الروسية في المنطقة أجبر الكثير من الشركس إلى الهجرة باتجاه الأراضي العثمانية بعد حروب، وقلاقل استمرت أكثر من مائة عام. كما أن الدولة العثمانية أجبرت الكثير من الشركس بالهجرة إلى “سوريا”، وكانت أول دفعة من المهاجرين الشركس إلى “سوريا” قادمة من “البلقان” ومنطقة ميناء “طرابزون” شمال “تركيا” على البحر الأسود إلى الأراضي “السورية” في عام 1872م. وتتالت موجات كثيرة وصلت إلى الساحل السوري وإلى “أنطاكية” و”الرقة” وغيرها. هذا وقد استقر معظم الشركس في الجولان السوري المحتل، وبشكل مختصر تمت عملية الترحيل ضد من تبقى من السكان الشركس قبل نهاية الحرب في عام1864م، وفي عام1867م اكتملت عملية التهجير، وقد حدثت عملية إجبار “الشركس” في التحول إلى “المسيحية” وإعادة التوطن داخل نسيج الإمبراطورية الروسية، وقد تم تفريق السكان الشركس المتبقين الذين رفضوا الاستسلام وإعادة توطينهم وتعذيبهم وقتلهم بشكل جماعي في أغلب الأوقات، وكانت الهجرات إلى “سوريا” متتالية وكان “للرقة” نصيب كبير في استقبال مجموعة من الأخوة الشركس، حيث قدمت مجموعة منهم إلى منطقة “الرقة”، في الريف وفي المدينة في عام 1906م، وتقول المصادر المكتوبة والشفاهية أنهم جاؤوا، أي الشراكسة، على عربات تجرها الخيول والبغال، وكانت الهجرة قد تم تنظيمها بين الروس القياصرة والحكومة العثمانية إلى بلاد “الشام”. كانت حصة مدينة “الرقة” تقدر بـ 57 خانة بمعنى عدد الأسر، التي سيتم توطينها في “الرقة”، وقد تم تخصيصهم بأرض واقعة خارج سور “الرافقة” الأثري في المنطقة الغربية الواقعة شرقي القشلة

 (حي الثكنة) ليتخذوا من هذه المنطقة حياً لهم، وقد تم تنظيم الحي بشكل شطرنجي، ذات شوارع طولانية من الشمال إلى الجنوب، وهي تتقاطع مع أربعة شوارع من الشرق إلى الغرب، لتكون النتيجة كل أربعة مقاسم محاطة بأربعة شوارع، ويقول المعمرون أن تلك الشوارع كانت عريضة لكن مع مرور الزمن وتوسيع الأهالي لمنازلهم جاءت على حساب مساحة الشوارع، حتى باتت ضيقة كما هو حالها في زمننا هذا. كما تم تخصيص مساحة من الأرض لبناء جامع تقول المصادر مساحتها عشرة دوانم لكن زحف الأهالي أثناء بناء بيوتهم فلم يبق من مساحته سوى ثمانية، شيد فوقها جامع الشراكسة، الذي يعدُّ اليوم أجمل مساجد المدينة.

بقي أن أشير إلى أن الشركس والشيشان هم من عرق واحد لكن يختلفون في اللغة، وللشركس ثقافة راقية إذ يتمسك الشركس بعادات الآباء والأجداد، كالكرم، وحب الضيف، والتمسك بالشرف، والمحافظة على الكرامة، واحترام المرأة وكبار السن. للكبير مكانة مرموقة بينهم، وكلمته مسموعة من الجميع.