الشدادي.. تاريخ موغل بالقدم وحاضر عريق

حسام الدخيل_

---

الشدادي أو الشدادة مدينة سورية تاريخية تتبع لمنطقة الحسكة في إقليم شمال وشرق سوريا، وتربط الحسكة بدير الزور، وتتميز بموقعها الاستراتيجي إلى جانب قربها من الحدود العراقية، كما تتوفر فيها ثروات متنوعة نفطية وزراعية.

الموقع

تقع مدينة الشدادي على بعد 60 كم إلى الجنوب من مدينة الحسكة على الطريق الرئيسي الواصل بين مدينتي الحسكة ودير الزور، ويوجد بها شارع عام رئيسي يقسمها إلى قسمين رئيسيين، القسم الشمالي، والذي يشكل الأحياء الشمالية من المدينة، والقسم الجنوبي، الذي يشكل الأحياء الجنوبية.

وتبعد الشدادي نحو 40 كم عن الحدود العراقية، ويمر بها نهر الخابور، الذي ينبع من باكور كردستان، ويعبر الحدود إلى سوريا من ناحية سري كانية المحتلة شمالي الحسكة.

وتبعد نحو 100 كم عن مركز مدينة دير الزور، وتفصلها قرابة 40 كم عن الحدود الإدارية بين دير الزور والحسكة، عند قرية الإشيطح التابعة لبلدة مركدة.

تضم المدينة عدداً من الأحياء، أهمها الحي الشمالي، والحي الجنوبي، والكورنيش، وحي الطاحونة، وحي التوسعية، وحي البجدلي، وحي أم زر، وحي السيبة. وتتبع لمدينة الشدادي بلدات ونواحٍ عدة، أهمها العريشة، والدشيشة، وعبدان، وأبو فاس، ومركدة، كما تضم المئات من القرى، التي قد يصل عددها إلى قرابة 500 قرية.

السكان

يبلغ عدد سكان الشدادي والنواحي التابعة لها نحو 300 ألف نسمة كلهم من العرب، وهم خليط من قبائل الجبور والبكارة، واللهيب، والفليتة الزبيدية والمشاهدة. وتشكل قبيلة الجبور أغلبية السكان، وتنتشر على طول نهر الخابور في الجهة الشرقية لمدينة الشدادي ابتداءً من الحدود الإدارية للمدينة، وصولاً إلى قرى الغرس والحجلات. بينما تتركز غالبية السكان من أبناء قبيلة البكارة في قرى الخط الغربي الواقعة على الطريق الخرافي الذي يصل الحسكة بدير الزور، مثل قرى عجاجة و47، وصولاً إلى أبو فاس. أما قبيلة اللهيب فتتركز في قرى كشكش وقرى الدشيشة. وعشيرة الفليتة الزبيدية فتتركز غالبية أبنائها في قرية عدلة. بينما عشيرة المشاهدة فيتركز تواجدهم في مركدة وقراها.

 التسمية

الشدادي أو الشدادة مدينة قديمة جداً تعود إلى العصور الآشورية، كانت تسمى باسم “سُكير العباس” وكلمة السكير هنا يقصد بها الحاجز أو السد، الذي يحبس مياه النهر المتدفقة، وقد أورد المؤرخ والرحالة المسلم ياقوت الحموي اسم بلدة “سكير عباس” فقال في كتاب “معجم البلدان”: “سكير العباس: بلفظ تصغير السكر، وهو اسم للسداد الذي تسد به فوهة الأنهر، وهي بلدة صغيرة بالخابور فيها منبر وسوق”.

وقبل الحموي ذكرها الجغرافي العربي ابن حوقل الذي رسم في كتابه “صورة الأرض” مجرى نهر الخابور، ووضح أماكن المدن الواقعة عليه من الشمال إلى الجنوب، ومنها “سُكير العباس” الذي قال: إنها تقع على الضفة اليمنى لنهر الخابور.

أما تسميتها فيما بعد بالشدادي فمرجعه قولان، أولهما يتحدث عن وجود أحد التابعين الزاهدين بها عام 75 للهجرة اسمه الشداد بن جماح، وعندما مات دفن في قمة التل وأطلق عليه فيما بعد تل الشداد، وكان الناس يقصدون قبره بغية التبرك فسموا المنطقة باسمه، ولا يزال القبر موجوداً في أعلى قمة تل الشدادي، ولكن لا توجد معلومات دقيقة عن صاحب القبر، ولا توجد أي معلومة تاريخية تؤكد هذه الرواية.

أما الثانية فتقول: إن التل كان مملكة قديمة تحيط به مياه نهر الخابور القوية من الاتجاهات كلها؛ ما يصعب صعوده أو اقتحامه من الغزاة الطامعين في ذلك، فإن تلك الخاصية أكسبته صفة المنعة والشدة فوصف المكان بذلك.

وربما يكون اسمها أصلا “السدادي” أو “السدادة” بالسين تبعا للمعنى المذكور سابقا (نقلا عن الحموي) لاسمها القديم “سُكير العباس” وهو السد والإغلاق، ثم حُرفت الكلمة وأصبحت السين شينا بمرور الزمن فصار الناس يسمونها “الشدادي” أو “الشدادة”.

تاريخ الشدادي

اشتهرت المدينة تاريخيا بالزراعة والتجارة وكانت ملتقى للسفن والقوافل التجارية القادمة من مدينتيْ “حلف” و”ماري” التاريخيتين، أي السفن المسافرة من مملكة ماري بدير الزور، وحلف الواقعة شمال الحسكة بالقرب من سري كانية.

كما تعد حالها كحال الكثير من المناطق الواقعة بالقرب نهر الخابور أحد الممالك الآشورية القديمة، وقد أثبتت الدراسات والبعثات الأثرية انتماء المدينة إلى المملكة الأشورية، ويعد أبرز هذه الاكتشافات هو تل عربان الأثري “تل عجاجة”، الذي نقبت فيه بعثة سورية ويابانية مشتركة، أما فيما يخص مدينة الشدادي، فلم تأتِ أي بعثه للتنقيب في المواقع التاريخية، وعلى رأسها تل الشدادي.

لمحة عن اقتصاد الناحية

تكتسب الشدادي أهمية اقتصادية كبيرة نظراً للثروات النفطية والزراعية، التي تتوفر عليها؛ وهو ما أطلق عليها أهلها وصف “بلدة الذهب الأبيض والأسود”.

وتحتوي أهم خزانات النفط في المنطقة الشرقية من سوريا، ويقع فيها حقل الجبسة، الذي يضم نحو 500 بئر نفطي، ويعد ثاني أكبر حقول النفط في الحسكة بعد حقول رميلان، كما تضم أيضا معمل الشدادي للغاز الحر.

وإلى جانب ذلك تتميز الشدادي بأرضها السهلية الخصبة، التي أكسبتها شهرة بالزراعات الاستراتيجية كالقطن والقمح والشعير، مستفيدة من سد نهر الخابور، الذي يعد أهم أنهار المحافظة وشريانها الحيوي.

 بؤرة صراع

مع بداية الأزمة السورية، اكتسبت المدينة أهمية كبرى للمجموعات المرتزقة المتصارعة، بسبب موقعها الاستراتيجي، وثرواتها الاقتصادية، وثقلها السكاني ووقوعها على عقدة طرق استراتيجية مهمة، وهي نقطة وصل بين المدن الرئيسية الثلاث في شمال وشرق سوريا “دير الزور، والرقة، والحسكة”، كما أنها نقطة العبور بين مدينتي الموصل العراقية، والرقة السورية إبان سيطرة مرتزقة داعش على المدينة.

المزايا التي تمتلكها مدينة الشدادي حولتها بؤرة صراع رئيسية، فقد خرجت المدينة عن سيطرة حكومة دمشق في شباط من العام 2013، بعد معارك عنيفة خاضتها مع مجموعات تنسب نفسها إلى ما تسمى بالمعارضة السورية، بالإضافة إلى تنظيم القاعدة الإرهابي، بقيادة جبهة النصرة حينها، وكتائب الفاروق.

وبقيت هذه المجموعات باسطة السيطرة على مدينة الشدادي وريفها إلى العام 2014، حيث ظهر داعش وفي شباط، استطاع داعش المتطرف بسط سيطرته على المدينة بعد انسحاب ما تسمى بالمعارضة، وتنظيم القاعدة منها وتراجعهم إلى بلدة مركدة.

وعند هذه النقطة كانت البداية لتعلن مرتزقة “داعش” خلافتها المزعومة، وشكلت من مدينة الشدادي قاعدة لتمويلها من جهة من خلال بسط سيطرتها على آبار النفط، ولشن هجماتها على المدن والبلدات الأخرى، والتي كان أهمها سيطرتها على مدينة الموصل العراقية والرقة السورية، لتصبح فيما بعد الشدادي نقطة الوصل بين عاصمة المرتزقة السياسية والاقتصادية.

وفي شباط من العام 2016 أعلنت قوات سوريا الديمقراطية عن حملة “غضب الخابور” العسكرية؛ بهدف تحرير مدينة الشدادي من رجس مرتزقة داعش الإرهابي، حتى كان لهم ما أرادوا في العاشر من شهر شباط، وكانت الشدادي القشة، التي قصمت ظهر البعير، لتبدأ بعدها الخسارات المتتالية للمرتزقة بعد قطع طرق الوصل بين الرقة والموصل ودير الزور، على أعقاب تحريرهم مدينة الشدادي، وكانت البداية لنهاية لهجمية وسطوة داعش.