الجوع شعار المرحلة القادمة ولا حلول لمواجهة النزيف الاقتصادي

الشدادي/ حسام دخيل ـ

الانهيار القياسيّ لسعر صرفِ الليرة السوريّة مقابل العملاتِ الأجنبيّة، والجفافُ غير المسبوق، الذي لم يضرب المنطقة منذ أكثر من 50 عاماً، وتدني الأجور وانخفاض القدرة الشرائيّة للمواطن، هذه العوامل كلها تنذرُ بكوارثَ على المواطن على امتداد الجغرافيا السوريّة.

 وتعدُّ هذه الأيام من أصعبِ الأيام التي عاشها المواطن على امتدادِ الأزمةِ السورية، التي تقترب من نهاية السنة الحادية عشرة، وسط انعدام الحلول، وصدور قراراتٍ تُثقل كاهل الأهالي، ولا تصبُّ في المصلحة العامة كما تتضمن نصوصها.

المؤشرات الاقتصاديّة كلها تقول: إنَّ ثمّة كارثةٍ إنسانيّة في البلاد، فتجاوز سعر الصرف مستويات جديدة، فاقم حالة العجز لدى كثير من الأسر، عن تأمين حتى الغذاء، إذ ارتفعت الأسعار مجدداً وسط غياب الرقابة الحقيقيّة، والفاعلة، وبقاء الأجور عند حدودها المتدنية المقدرة بنحو 70 دولاراً أمريكيّاً، وتنقص هذه القيمة عند أيّ ارتفاع جديد يطرأ على أسعار صرف الليرة السوريّة.

الكارثة الحقيقيّة للعيش

خلال أحد عشر عاماً كان المواطن سليمان العبد بمنأى عن المعارك والقصف، ويعيش في قرية الطيّار، التي تبعد عن مركز مدينة الشدادي قرابة العشرة كيلومترات، وهي قرية بعيدة ومعزولة برفقة عائلته المكوّنة من سبعة أطفال، ويعتاشون مما تدرّه أرضه الصغيرة، والتي يزرعها ببعض المزروعات، التي تؤمّن احتياجه اليوميّ بالإضافةِ إلى بضعةِ رؤوسٍ من الماشية، التي كان يربيها.

يقول العبد: “الخوف من المستقبل يعتريني أكثر من أيّ وقت مضى، فشبحُ الجوع بات يلوح في الأفق، والجفافُ أثّر بشكلٍ كبيرٍ على الزراعة وعلى الماشية في آنٍ واحدٍ، ويضيفُ “الحلولُ بالنسبة لنا انتهت؛ لا زراعةَ، ولا ماشية، فقدنا مصدر معيشتنا الأول وسط هذه الظروف الصعبة وانهيار قيمة الليرة السوريّة والتضخم الكبير وارتفاع أسعار السلع، نحن اليوم أمام كارثةٍ حقيقيّة قد لا يُحمد عقباها.

وشهدت الليرة السوريّة هبوطاً سريعاً في قيمتها خلال الأيام القليلة الماضية إذ ارتفع سعر صرفها مقابل الدولار خلال هذا الأسبوع حيث وصل سعر الصرف لحدود الـ 3700 ليرة بمعدل ارتفاع وصل لـ200 ليرة عن السعر القديم، الذي استقر لفترة عند حدود الـ 3500 ليرة سورية للدولار الواحد، وتسبّب ذلك بارتفاع جنونيّ في أسعار المواد الغذائيّة والسلع، ولتسودَ معها حالة تذمر في أوساط الأهالي.

نقف على حافة الهاويةِ

تتفقد مريم المخلف النقود التي تبقت لديها، وهي تنوي أن تشتري كمية من السكر الذي ارتفع سعره هو الآخر في الأسواق المحليّة، ووصل سعر الكيلو الواحد لحدود الـ 2500 ليرة.

وتقول: “نحن الآن نقف على حافة الهاويةِ، والأمرُ لم يعد يحتمل، العائلةُ تحتاجُ وسطيّاً لمليون ليرة على الأقل، لتتمكنَ من العيش فقط، والدخل لا يتجاوز مئتي ألف ليرة، هناك فجوةٌ كبيرةٌ بين الدخلِ والمصاريف، وإذا استمرَّ هذا الارتفاع في الأسعار، “العالم” ستأكلُ بعضها، في إشارةٍ منها إلى سوءِ الحال، الذي سيصل إليه الأهالي في المرحلةِ القادمةِ.

“هل سينتهي بنا الأمر أن نموتَ جوعاً” بهذه الكلماتِ الصعبةِ والقاسيةِ بدأ الشاب علي الأحمد حديثه لصحيفتنا ممتعضاً من الحال، الذي وصل السوريون إليه.

وتابع “نحتاج إلى وسائل للموتِ الرحيم، فالموتُ جوعاً صعبٌ جداً، ونحن بتنا نلفظُ أنفاسنا الأخيرة، فالجوعُ بدأ يفتكُ بنا من كلّ حدبٍ وصوب.

وانتقد الأحمد القراراتِ الرسميّة التي تصدرُ من الإدارة الذاتيّة ومعلّقاً على كلمةِ المصلحة العامة، والتي دائماً ما يتضمنها أيُّ قرارٍ رسميّ، واصفاً بعضَ القرارات بأنّها لا تصبُّ في مصلحة الشعب، ومنها رفع سعر الخبز رغم ندرته وصعوبة الحصولِ عليه وغيابِ المحروقات المدعومة وغيرها من القرارات الأخرى.

المواطن الأحمد طالب الإدارةَ الذاتيّة ومؤسساتها بالعملِ بشكلٍ جدي؛ لوقفِ هذا النزيف واتخاذِ قراراتٍ من شأنها رفعُ مستوى معيشة المواطن أو على الأقل تحسينه قليلاً ووضعِ حدٍّ للنزيفِ الاقتصاديّ الذي أصاب المنطقة.

وكانت الإدارة الذاتيّة قد حددت ميزانيّة العام القادم، والتي قدّرت بقرابة المليار دولار أمريكيّ، وأفصح محمد بكر مستشار هيئة المالية في الإدارة الذاتيّة لقناة روج آفا عن موازنة العام 2022 والتي قدرّت بـ 981 مليون دولار في إطار دعم المشاريع الخدميّة والاقتصاديّة للعام القادم.

وأشار إلى أنَّ الإدارةَ الذاتيّة تتجه عبر هذه الموازنة الضخمة لافتتاح مشاريع خدميّة جديدة وتطوير البنى التحتيّة لشمال وشرق سوريا، والتي من شأنها تحسين الواقع المعيشيّ في المنطقة.