قامشلو/ عبد الرحمن محمد ـ
تكثر الصعوبات والعوائق أمام تطور الحراك الثقافي ورفع السوية الثقافية المجتمعية بشكل عام، إذا قصدنا بالثقافة والحراك الثقافي ما نشهده في المرحلة الحالية فقط، وتجنبنا الخوض في جذور وأساسات الثقافة العامة لشعوب المنطقة، فالثقافة المشتركة الغنية عن التعريف واضحة المعالم، وخاصة إنها متعددة الموارد والمشارب، ومن عظيم صفاتها التنوع والتكامل بين مقوماتها، من ثقافة كردية، وعربية، وسريانية، وشركسية، وتركمانية، وسواها من الثقافات، التي تتكامل وتتنوع في ثقافة عريقة، تمتاز بها المنطقة عامة، وكذلك في كل ثقافة قائمة على حالها.
ولو عدنا لما بدأنا به من صعوبات تعترض الحراك الثقافي، فإن من أهمها الوضع العام في سوريا عامة، وفي شمال وشرق سوريا بشكل خاص، فالأزمة، ما زالت تلقي بظلالها على الواقع المتردي لتحيله لواقع مرير، لا يكاد يحتمل، بخاصة من الناحية الأمنية، والاقتصادية، وهما من مقومات الحياة وأولوياتها، إذ بات الانصراف إلى التدابير الأمنية والاقتصادية من الأولويات، مع إن مناطق شمال وشرق سوريا كانت الأكثر أمنا واستقرارا، إذا ما قيست بالمناطق الأخرى من سوريا، والأيسر تكلفة في المجال الاقتصادي، إلا إن التهديدات التركية على المنطقة بشكل مستمر أثرت على الحركة الثقافية، وحدَّت من النشاطات الثقافية العامة زاد على ذلك جائحة كورونا، التي ألقت بظلالها على الواقع، ولو أنها تلاشت إلى حد بعيد بعد النصف الثاني من العام الحالي.
معرض الشهيد هركول للكتاب… منبر للثقافة
بات معرض الكتاب السنوي من أبرز النشاطات السنوية الثقافية على مستوى شمال وشرق سوريا، والمعرض، الذي عُرف باسم الشهيد “هركول/ حسين شاويش” تحول اليوم إلى حدث ثقافي لافت، وهام في المنطقة، وبخاصة إنه بات يستقطب دور نشر ومكتبات ومؤسسات ثقافية من الوطن العربي والعالم، كما حدث في النسخة السادسة، والتي انطلقت هذا العام في موعد جديد “شهر تشرين الأول”، بعد أن كان ينظم في شهر تموز، وبذلك أصبحت الفرصة متاحة لرواد وعشاق المعرض للزيارة أكثر؛ لأن الوقت أنسب وللمشاركة الواسعة لدور نشر من الخارج، ويعد المعرض تظاهرة متنوعة للكثير من الكتب بمواضيع مختلفة، وعناوين غنية، يصعب العثور عليها في الأحوال العادية، رغم ارتفاع أسعار الكتب، الذي اشتكى منه الكثيرون، كما إن المعرض كان فرصة ذهبية لالتقاء الأدباء والكتاب، وكافة شرائح المثقفين لتبادل وتلاقح الأفكار، وتضمن توقيع عشرات الكتب، وإقامة العديد من المحاضرات، والندوات الحوارية، والتي كانت دون المستوى في هذه النسخة، واللافت أن الكتب المعروضة كانت باللغات الكردية، والعربية، والتركية، والإنكليزية، والسريانية، ويعد ذلك إنجازا يحسب للمعرض، ويذكر أن ما يقرب من خمسين مؤسسة، ودار نشر شاركت في المعرض وبقرابة مائة وثلاثين ألف كتاب، ضمت زهاء ثلاثة عشر ألف عنوان.
ولا يفوتنا هنا الإشادة بمعرض الكتب الكردية، الذي نظم لأول مرة هذا العام، وضم قرابة عشرة آلاف كتاب، وشارك فيه أكثر من خمس عشرة مؤسسة، ودار نشر، وتزامن افتتاحه مع يوم اللغة الكردية المصادف لـ الخامس عشر من أيار، وبذلك تكون خطوة هامة في الاهتمام باللغة الكردية، والحفاظ عليها.
مهرجان أوصمان صبري للأدب يفقد بريقه
دأبت هيئة الثقافة، ومنذ تأسيس الإدارة الذاتية على الدفع بالحراك الثقافي، وخاصة ثقافة القراءة، وللغاية ذاتها كان الإعلان عن مهرجان سنوي للأدب بأجناسه كافة، منذ عام 2017، وباسم الشخصية الوطنية أوصمان صبري، يسعى المهرجان إلى تطوير القراءة وجعلها ثقافة راسخة في المجتمع، وحماية اللغة الكردية من الصهر، وقد لاقى المهرجان خلال الدورات الأربع الأولى صدى واسعا، ومشاركات لافتة من شمال وشرق سوريا، وأجزاء كردستان وضم في فعالياته مشاركات لافتة، ومتنوعة في القصة القصيرة، والمقالة، والشعر، وباللغات الثلاث الكردية، والعربية، والسريانية، ثم ما لبث أن غابت المشاركة باللغة السريانية، وبشكل شبه كامل بعد أن كانت المشاركة خجولة في أول دورتين، وفي الدورة الخامسة تم تخصيص المهرجان لجنس أدبي واحد، وهو “أدب الثورة” وأن يكون التقدم للمسابقة في هذا النتاج فقط، فكانت المشاركة ضعيفة جدا، وخاصة أن المهرجان اقتصر على إعلان أسماء الفائزين في النسخة الرابعة، لعدم إقامته فعليا، وخصصت النسخة السادسة للرواية، ولوحظ بشكل جلي قلة المشاركة سواء في الحضور، أو في المشاركة بالمسابقة، وغابت المشاركة بالسريانية للعامين السابقين، فيما حجبت الجائزة الأولى للرواية باللغة الكردية، ولم يتجاوز عدد المشاركات بالرواية الكردية أصابع اليد الواحدة، و وناهزت عشر مشاركات باللغة العربية.
العتب الذي وجهته الأوساط المهتمة كان في تخصيص مهرجان بهذا الزخم لجنس أدبي واحد، وضعف التحضير والإعداد له، وخاصة إن اللجنة التحضيرية لم تزود بدماء جديدة، وأعضاء جدد يمكنها من تلافي الأخطاء السابقة، والقيام بخطوات جديدة تعيد للمهرجان ألقه وثقله الثقافي.
مهرجان “آرين.. جدائل السلام” خطوة نحو مسرح المجتمع
بعد النجاح والإقبال، الذي لاقتهما النسخة الأولى من مهرجان “آرين… جدائل السلام” في العام المنصرم، كانت جماهير وعشاق المسرح في كوباني وسائر إقليم الفرات على موعد مع المسرح المميز، وعروض وفعاليات متنوعة، خلال الفترة من الخامس، ولغاية الرابع عشر من تشرين الأول 2022.
المهرجان شهد إقبالا جماهيريا لافتا، وحضوراً جيدا للفعاليات، وكان فرصة للقاءات ثقافية وتبادل للخبرات والآراء على هامش العروض المسرحية، واتضح من خلال الاقبال الجيد مدى تقبل الجمهور للأعمال، التي تلامس تفاصيل الحياة اليومية بدقائقها كلها، وحتى اختيار تاريخ المهرجان، الذي تزامن مع ذكرى استشهاد أيقونة المقاومة في كوباني “آرين ميركان”.
المهرجان، ومن خلال ما صرح به القائمون عليه، والعروض التي قُدمت يأتي في إطار المساعي الحثيثة، لتطوير الحراك المسرحي، الذي بات بحاجة لخطوات تنعش الحياة المسرحية، وتهدف للارتقاء بالمسرح، وقد نجح المهرجان إلى حد كبير في جذب الشرائح المجتمعية المتنوعة من المثقفين، والكادحين، والأطفال، والمرأة على وجه الخصوص، لما أولاها من أهمية لدورها من خلال الأعمال، التي قدمت، وكان المهرجان تحديا واضحا للظروف، التي كانت تحيط بالمنطقة، وقد نجح في ذلك، ومن المأمول أن يصبح أحد أبرز الأنشطة الثقافية في المنطقة.
أيام الثقافة أبرز فعاليات اتحاد المثقفين في إقليم الجزيرة
على قدم وساق كانت النشاطات الثقافية تقام في العديد من المدن، والمناطق على امتداد شمال وشرق سوريا، وكانت الخطوة، التي وضعها اتحاد المثقفين في إقليم الجزيرة فكرة صائبة، حصد غلالها المهتمون بالثقافة، والأدب بل وحتى الناشطون في مجال البيئة، والمنظمات الحقوقية والمدنية.
كانت فكرة إقامة نشاط ثقافي في يوم محدد من أيام الأسبوع، وفي أغلب المدن، فكرة نالت استحسان الكثيرين، وخاصة بعد افتتاح حديقة القراءة في كل من قامشلو، والحسكة، وكانت أيام الأربعاء الثقافي في قامشلو، والخميس الثقافي في الحسكة من الأنشطة البارزة والهامة في المدينتين، وتنوعت الأنشطة والفعاليات بين محاضرات نوعية، وندوات حوارية وحفلات توقيع كتب، وأنشطة عن المسرح وسهرات فنية، وندوات خاصة عن البيئة وحقوق الإنسان، وندوات حوارية مفتوحة في السياسة وتداعيات المرحلة، وأقيم في حديقة القراءة في قامشلو أكثر من أربعين فعالية ثقافية متنوعة من فعاليات اتحاد المثقفين، ومثلها في الحسكة، بالإضافة إلى عشرات الأنشطة الأخرى للاتحاد في مكاتبه المنتشرة في إقليم الجزيرة، وشمال وشرق سوريا، علاوة على الأنشطة الأخرى، التي باتت حديقة القراءة تشهدها في كلتا المدينتين، وبذلك أصبحت حديقة القراءة من الوجهات والمقاصد الثقافية، التي لا يمكن الاستغناء عنها.
مهرجان روج آفا الثامن للثقافة والفن.. إبداع متجدد
رغم صعوبات التحضير والإعداد للمهرجانات، لما تتطلب من وقت وجهد وإمكانات مادية، إلا إن اتحاد مثقفي روج آفايي كردستان استطاع، وبعد جهود حثيثة إطلاق المهرجان الثامن للثقافة والأدب في قامشلو، وكان اللافت هذا العام الزخم الثقافي المتنوع، والمميز في الأنشطة، التي تنوعت بين القصة، والشعر، والندوات الحوارية، والمحاضرات باللغتين العربية والكردية، وكذلك بعض الأنشطة المسرحية والأفلام السينمائية، وعلى مدى عشرة أيام، كانت متخمة بالكثير من التنوع، وقد أشبعت رغبة الكثيرين من عشاق الثقافة والفن، وكان المهرجان بحق عرسا ثقافيا شهد إقبالا واسعا وجمهورا متعدد المذاهب، والميول الثقافية، نظرا لتنوع الفعاليات، واستقطب الكثير من المهتمين، وقدم الكثير من المتعة الأدبية والفكرية، وتُوج المهرجان بإعلان جائزة الاتحاد للإبداع، فيما اختتم فعاليات العام ببرنامج ثقافي منوع تحت عنوان “الشموع العشرة الأخيرة 10 Mûmên Dawîn”.
هكذا تمضي أيام الثقافة والفن، والتي تتسم بالتحدي والإصرار، والعشق للحياة والحرية، ومواصلة الحفاظ على الثقافة المشتركة، التي تنهل منها الشعوب، والشرائح، والمذاهب، فتعيدها رسائل محبة وسلام للعالم أجمع، ولسان حالها “إننا باقون ما بقيت الحياة”.
