الانسحاب الأمريكي من العراق وسوريا بين الواقع والمطلوب 

رفيق إبراهيم_

 بعد الإقرار الأمريكي بسحب قواته من العراق، خطت الولايات المتحدة خطوات لسحب قواتها، حسب الاتفاق الذي أُبرم مع الجانب العراقي لتنفيذ بنوده، ولكن هل بالإمكان حقيقة تنفيذ الاتفاق وخروج القوات الأمريكية بكامل عدتها وعتادها من العراق، والكل يعلم أن خروج الولايات المتحدة في هذه الأوقات سيكون نصراً كبيراً للمحور الروسي الإيراني في المنطقة، وسقوطاً مدويّاً للسياسة الأمريكية الخارجية.

الولايات المتحدة الأمريكية شكلت التحالف الدولي ضد الإرهاب، إبّان سقوط الموصل ثاني أكبر مدينة في العراق بعد العاصمة بغداد، بيد داعش، حينها طلبت الحكومة العراقية بقيادة نوري المالكي، النجدة والتدخل للمساهمة في إخراج داعش منها، وبعد تشكيل التحالف الدولي وطرد داعش، تعالت الأصوات بخاصة الموالين لإيران بخروج هذه القوات وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وازدادت تلك الأصوات بعد مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، في العراق عام 2020، وتحت ضغط الحشد الشعبي قرر مجلس النواب العراقي إنهاء مهام التحالف الدولي وقواته، وبعد حدوث الحرب في غزة بين حماس وإسرائيل، صعّدت تلك المجموعات من هجماتها على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، ليتصدر خروج القوات الأمريكية وقوات التحالف المشهد في العراق مرةً أخرى.

وعلى الرغم من المطالبة بخروج القوات الأمريكية من العراق، إلا أن هناك صعوبات ومعوقات تحول دون ذلك، ومنها الأوضاع المتوترة في المنطقة، وحرب غزة والتدخل الإيراني عبر ميليشياتها في الحرب بطريقة غير مباشرة، وأي انسحاب أمريكي غير مدروس من العراق وسوريا، ستكون ضربة للسياسة الأمريكية الخارجية، ما سيفقدها المصداقية والهيبة العالمية.

في العراق وسوريا تتشابه السياسة الأمريكية من حيث الأولويات، لأن الذين يسيطرون على سياسة الدولتين هم الإيرانيين، لذا فالولايات المتحدة حذرة أثناء التفكير في أي انسحاب من العراق وسوريا، ومسببات التواجد لا تزال موجودة على الأرض، فداعش لا زال يتحرك كيفما يحلو له، وفي مساحات واسعة في العراق وسوريا أيضاً، ولذلك عندما انتشر خبر مفاده أن أمريكا قررت الانسحاب من سوريا، بادرت وزارة الخارجية على الفور بالنفي وعدم وجود أية نية بالانسحاب تحت أي ظرف كان، حيث قالت: “الولايات المتحدة لن تنسحب من سوريا، لطالما هناك خطر من تواجد ونشاط لداعش في العديد من الأماكن”.

الولايات المتحدة الأمريكية لها حساباتها في اتخاذ قرار الانسحاب، إن كان من العراق أو سوريا، وهذه الحسابات هي التي تتحكم في عملية انسحابها من عدمه، فهناك الكثير من الأمور التي تستدعي بقاء أمريكا في المنطقة، هناك تواجد لداعش وزيادة هجماته في الآونة الأخيرة، وأيضاً النفوذ الإيراني الكبير في سوريا والعراق، كما أن التواجد الروسي في سوريا مصدر قلق دائم للأمريكيين، وهذه كلها أسباب تؤكد بقاء القوات الأمريكية في سوريا والعراق، وحتى لو أنها وقعت مع العراق على الانسحاب ولكنهم اتفقوا أيضاً على بقاء المستشارين.

الولايات المتحدة لها مبرراتها للإبقاء على قواتها وكما قلنا سابقاً، قد يكون هناك تقليص لعدد القوات في العراق ولكن في المقابل فهي زادت من عتاد قواتها في سوريا، وهذا ما يؤكد أن أمريكا لن تنسحب من المنطقة، ففي سوريا تقف أمريكا ضد النظام السوري، وهي تقول دائماً لا بد من تغيير هذا النظام، وتطبيق القرار الأممي 2254، والوصول لهيئة حكم انتفالي، يُنهي الأزمة السوريّة، وهي لا تقبل بأي شكل من الأشكال بوجود النظام الحالي في مستقبل سوريا.

التطورات التي حدثت بعد الحرب بين حماس وإسرائيل، غيّرت قواعد اللعبة في المنطقة، ما قد يؤخر الانسحاب الأمريكي من العراق، وحتى قد يؤدي إلى إلغاء القرار، وبخاصةٍ بعد الهجوم الأخير على قاعدة أمريكية في الأردن ومقتل ثلاثة جنود من القوات الأمريكية، وهذه ذريعة أخرى لبقاء قواتها في العراق.

وفي الخلاصة، وحسب المعطيات الآنية على الأرض، وما يدور في المنطقة من أحداث، وبخاصةٍ بعد الهجمات على القواعد الأمريكية في سوريا والعراق والأخيرة في الأردن بمحاذاة الحدود السوريّة، والرد الأمريكي على المجموعات الموالية لإيران في العراق وسوريا، وأيضاً في اليمن، فإن المصالح الأمريكية تستدعي البقاء في المنطقة، وقد يؤجل ذلك مغادرة القوات الأمريكية العراق حتى ولو كان هناك اتفاق بين الدولتين لأجل غير مُسمى، أما في سوريا فبقاء القوات الأمريكية مرتبط ببقاء داعش والإرهاب، وهذا ما أكده المسؤولون الأمريكيون في الأيام الماضية، وهذا يعني أن القوات الأمريكية باقية على الأقل لعدة سنوات قادمة.