جل آغا/ أمل محمد-
حل آذار، وحلّت معه ألوان الطبيعة، لتجمّل الأرض والكون، في الزينة المعهودة لفصل الربيع، فاتّخذ الكرد في مختلف مدنهم وقراهم في شمال وشرق سوريا، زينة لهم من تلك الألوان، في تغيير مناهج حياتهم، الماثلة في الفرح والزغاريد والأناشيد، وقد أكملت الاستعدادات في استقبال عيدهم القومي الميمون.
عيد النوروز أو كما يسمى في بعض المناطق بعيد الربيع؛ عيد قومي يحتفل به الشعب الكردي في جميع الأرجاء الكردستانية، وفي العالم أجمع، وتشاركه في السنوات الأخيرة الشعوب الأخرى، وقبل قدومه تحضر الشرائح المجتمعية كافة من نساء ورجال، وأطفال الزي الكردي للاحتفال بهذا اليوم العظيم، وهم مرتدون لباسهم التراثي والفلكلوري.
الزي الكردي أصالة وعراقة
“الزي الكردي” ذو الألوان اللامعة البراقة، هو ثوب قومي مستوحى من طبيعة الجبال، والتلال وألوان الطبيعة، يرمز إلى ثقافة المجتمع الكردي، فبقي بألوانه وبريقه وتراثه حاضراً على مدار عدة قرون بنوعيه النسائي والرجالي.
الثوب الكردي النسائي له موديلات، ونماذج متعددة، ففي الكثير من الأحيان، والمناطق يكون على شكل قطعتين واحدة شفافة، وأخرى لامعة، ذات ألوان طاغية، تُلبس فوق القطعة الشفافة، وفي بعض الأحيان تلبس فوقها كما يسمى بالكردي “Êlek” يكون مطرزاً بما يجمله كالخرز، ولا يكتمل المظهر عند النساء الكرديات دون وضع السلاسل الذهبية حول محيط الخصر، ليُضيف جمالاً ساحراً، أما فيما يتعلق بالزي الرجالي، فيتألف من قطعتين من اللون نفسه، جاكيت وسروال، شريطة أن يكونا فضفاضين، وقطعة قماش على الوسط، والبعض يغطي الرأس بما يسمى الجمدانة”.
إعداد النساء لعيدهنّ القومي
بمناسبة عيد النوروز والذي يُصادف الحادي عشر من آذار، تلجأ النساء الكرديات من مختلف مناطق شمال وشرق سوريا إلى شراء الأقمشة، وخياطة الثوب الكردي، حيث رصدت صحيفتنا حركة الأسواق العامة قُبيل عيد النوروز، والتقت بعدة نساء تحدثنَ بدورهنَّ عن تجهيزات العيد.
نالين خلف، فتاة عشرينية حدثتنا: “عيد نوروز هو حدث تاريخي، وثقافي، وقومي للكرد ننتظره بفارغ الصبر، نتجول في السوق، ونتمعن في الأقمشة المعروضة لتفصيل الزي الكردي، الذي لا يكتمل عيدنا إلا به”.
وتابعت نالين: ” في كل عام نرى أقمشة جديدة، ولكن الطابع العام للثوب الكردي لا يتغير، الأقمشة المستخدمة في صناعة الثوي الكردي مميزة وفريدة، يمكن للنساء الكبيرات في العمر، وحتى الصغيرات ارتداؤه، وهذا ما يجعله مطلوباً لكافة الفئات العمرية لأنه يصلح لجميع الأعمار”.
اعتزاز بالتراث وتوريثه للأجيال
لا يقتصر التحضيرات على النساء فقط، فللأطفال حصة من ذلك، سمية آلان المواطنة الأربعينية، هي أيضاً من المحافظين على ثقافة وتراث شعبها، وفي عيدها القومي تجهز الزي لأبنائها: “أقوم في كل سنة إلى خياطة الثوب لأبنائي لأنه من ثقافتنا التراثية، وتاريخ أجدادنا، التي نعتز به، لكل حضارة زي شعبي تراثي خاص بها، والثقافات كلها بمر الزمان الاعتزاز بتراثهم أياً كان”.
الوضع الاقتصادي وتداعياته على حركة الأسواق
كان للوضع الاقتصادي في المنطقة نتيجة انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي دور، في أن تكون حركة السوق ضعيفة مقارنة بالسنوات السابقة، وبخصوص توافد الأهالي لشراء ما يلزم من تحضيرات للعيد، حدثنا سعيد نجم بائع للأقمشة: “حركة السوق هذا العام تختلف عن العام المنصرم، إقبال الناس أقل من السنة الفائتة؛ بسبب الارتفاع، الذي طرأ على الأقمشة نتيجة الوضع الاقتصادي، فلجأنا إلى شراء أقمشة بأقل تكلفة لمراعاة الوضع المادي للمواطنين”.
كما حدثنا الشاب غسان حسو، واحد وعشرون ربيعاً: “هذا العام لم أقم بتفصيل الزي، وأرتدي الزي، الذي ارتديته في السنة السابقة، لسببين أولها: لأن الزي الكردي الرجالي لا يتغير على عكس ثوب النساء، اللواتي يُضفنَ بعض التغيرات البسيطة لمواكبة الموضة، والثاني: لأن أسعار الأقمشة هذا العام مرتفعة جداً، ولا قدرة لي على الشراء وسأكتفي بزيي القديم”.
تمازج الثقافات والعيش المشترك
تحرص المواطنة عبير يوسف، من المكون العربي إلى ارتداء الثوب الكردي، والمشاركة في عيد نوروز واصفةً ذلك، بالأمر الممتع على حد قولها: “الثوب الكردي مُلفت للنظر، بسبب التفاصيل الجميلة الذي يحتويها، ونظراً لكوننا في شمال وشرق سوريا، نعيش مع بعضنا بمختلف الشعوب، والأطياف والمكونات فإننا شعب واحد، ومن هنا أقوم في كل عام بتفصيل ثوب كردي، وأشارك في الاحتفال بهذا العيد”.
فيما وذكرت فاتنة عيسى، والتي تعمل خياطة، أن شهري شباط وآذار تنشط فيهما حركة الزبائن لتجهيز وتفصيل الأقمشة: “يبلغ العمل لدي ذروته قُبيل عيد النوروز، ونحن أصحاب الحرف، نستغل هذا الشهر للعمل بشكل أوسع، نخيط كافة أنواع التصاميم للزي الكردي، والذي يتميز بعصرنته على الرغم من أنه تراث قديم وهذه من أهم سماته”.
