الإبداع النسوي بين إثبات الذات والإحساس بعقد النقص

هيفا حيدر حسن –

على الرغم من أن علاقة المرأة بمجال الإبداع الفكري علاقة متفاوتة من حيث النوع والكم؛ إلا أنها تشعر بالنقص في إبداعها، وابتكارها أمام الرجل؛ حيث وجدت نفسها محاصرة في قيمها وحريتها وإبداعها وحتى في وجودها.

فقد بتنا نعرف أن قضية المرأة حتى في الكتابة ليست بأمر سهل في مجتمع يسيطر عليه الرجال من كل الجوانب، فالمرأة وفق منظورهم في بعض الأحيان ضعيفة فكرة وعملاً، ركيكة في إبداعاتها. بذلك قد غرسوا في ذاتها قناعة اليأس، وعدم مقدرتها على الابتكار، فليس لها إلا التخلص من هذه المشكلة لديها، وإيجاد العلاج اللازم لذلك.

والإبداع النسوي أثار جدلاً كبيراً في ميادين النقد، وفي كافة مجالات الفن الأدبي، فقد طرحت عدة تساؤلات حول ماهية هذا الإبداع، وطرق إنتاجه، ومدى فاعليته، وتأثيره في المجتمع، وعن ذلك الفارق بين ما تنتجه المرأة، وما يقدمه الرجل من أطروحات فكرية إبداعية.

لننظر إلى نتاجات المرأة مثلاً في مجال الكتابة، نجد أنها دائما ما تبحث عن خصوصيتها الأنثوية، فقد تمازجت مع أفكارها الفلسفية الوجودية، وهذا ما يدل على مثابرة المرأة في إثبات ذاتها عبر نتاجات فنية أو أدبية، أو حتى قيادية لتظهر لنا من جديد بثوب الحداثة؛ رغبة منها في إعادة الوجود لكيانها المنسي عبر صفحات التاريخ المهمشة أحياناً، وممارسة دورها الإنساني، وأثبتت رغم وعورة الطريق أنها جديرة بالتتويج والنجاح في مجتمع سجين عادات وأعراف ومحرمات…

تشعر المرأة بشكل عام، وبدون وعي منها بمشاعر الانتقاص والدونية بالنسبة للرجل، ومن هذا المنطلق تحاول أن تتخذ بعض الإجراءات التي تمكنها من التعويض عما تحس به في داخل ذاتها؛ فهي تدافع عن الأنوثة المسلوبة الحقوق، واتخذت من الكتابة وسيلة لإيصال رسائلها إلى العالم، معتمدة على موهبتها ومعرفتها وتجاربها، فالكثيرات عبّرنَ بتميّز عن ذلك؛ إيماناً منهن بأن المسألة ليست رجل أو امرأة، إنما هي مسألة الخصوصية الإبداعية، والتي ليست حكراً على أحد، تكمن في الصوت وقوته وتطويره, فلغة الإبداع تعبير عن وعي وموقف ورؤية إنسانية في الحياة والمجتمع والكون.

استطاعت المرأة، وبوعي مطلق، أن تنظر إلى نفسها على أنها كائن متكامل، جسداً وعقلاً وروحاً، تماماً مثل الرجل، ودخلت مجالات جديدة؛ لكي تكشف عن هويتها المفقودة، وما يحيط بها من حواجز تعيق تقدمها. فأخذت تبحر في مجال الإبداع؛ تحاكي واقعها بشكل عام، وتفصح عن مكنوناتها، وطموحاتها، لإثبات ذاتها، وإيجاد موطئ قدم لها داخل مجتمعها كشريك لا بدّ من إسهاماته في بناء أسرة على أسس عادلة وحقّة.

فصوت المرأة في مجتمعنا تحقق – ولا يزال –  في كتاباتها، وتمكنت إلى حدّ ما من الانعتاق من فكرة التبعية والاتكالية، كما أن نظرة المجتمع تغيرت لحدّ ما في وقتنا الحالي تجاه المبدعات مع تنامي الأفكار التي تدعو للمساواة الحقيقة.