الإبداع الشعري الأنثوي

هيفا حيدر حسن –

 كان الشعر ولمدة طويلة مدمغاً بالطابع الذكوري، إلا أن بعض النساء استطعن تحدّي الأعراف الاجتماعية السائدة آنذاك؛ التي كانت تحظر على المرأة أن تنخرط في الحياة الأدبية والثقافية، لتكسر ذلك الطابع الموروث، وتخرج عن تلك النمطية، لتبرز أسماء الكثيرات منهن، ممن تمكنّ من إيصال صوتهنّ بجرأة، ليعبرن عن الفرح، الحزن، مكنونات وبواطن النفس؛ فخرجن كما كل الشعراء – بل تخطين أكثرهم من حيث الأداء البلاغي – بأشعار يصل صداها إلى الجميع، وبرعت بخيالها الرحب وخوالجها المرهفة في عالم الشعر، وحرصن على التعبير عن قضاياهن، وبذلك كان لهن دور فعّال في تأكيد وجودهن.

ولقد شغلت المرأة مساحة واسعة في مجال الشعر قديماً وحديثاً، والتراث الأدبي يحفل بالكثير من النتاجات التي خلفتها، وبات المنجز الشعري النسائي يحظى بالاهتمام في الوسط الثقافي، لما قام به من نقل ومشاركة الوقائع والأحداث المتنوعة (وطنية، اجتماعية، إنسانية) بشكل عميق، وإثراء الإرث الإبداعي، لتزداد بذلك مكانتها في صفحات تاريخ الإبداع الأدبي والثقافي.

والإبداع الشعري بالصوت الأنثوي يغذي الروح بالإحساس الجميل، ويمنح المتلقي لحظات عذبة، ونجحت المرأة من أن تسبر أغوار النفس والواقع المعاش بكل آلامه ومرارته، بكلمات جميلة تنساب إلى أعماق النفس الإنسانية؛ لتعبر بشجنها ومرحها وخوفها وشوقها وسعيرها عنها، وملأت الروح بالحماس وحفزتها بالسعي مجددا لمواجهة المصاعب؛ ونيل ما تصبو إليها، وتجلت صور الإبداع عند المرأة في جميع الفنون الشعرية.

واستطاعت المرأة الشاعرة من أن تتجاوز في نهضتها الحديثة شعر البدايات، وتطرق معظم أبواب الشعر، فتناولت مواضيع عدة مثل الشكوى، التأمل، الحب، الألم، الرثاء، الشعر الديني، والشاعرة الكردية لم تكن بمنأى عن كل تلك المحاولات التي أبدتها النساء على المستوى العالمي؛ فلقد تركت بصمات واضحة على الساحة الأدبية، وكست شعرها طابع الرغبة في الانطلاق، وتخلصت من جميع القيود التي كانت تأسر حريتها في المجاهرة والبوح عن مشاعرها وعواطفها بصدق وشجاعة؛ وأنشدت أشعاراً بشكل لا يتنافى مع العفة التي لا بدّ للمرأة من أن تتحلى بها، واهتمت بقضاياها القومية الكردية، واستنكرت الجرائم والمجازر التي ارتكبت بحق أبناء شعبها، وغيرها من المواضيع، بجرأة منقطعة النظير، فكانت مثالا للمرأة المتنورة، وباتت صوتاً فاعلاً في الحركة الشعرية، يليق بروحها الملهمة ومواهبها الخلاقة.