روناهي/ عين عيسى ـ
تختزن ذاكرتها ألاف القصص والذكريات، وكماً هائلاً من الأصالة والتاريخ، وصوراً من تراث الآباء والأجداد، وفي النظر إلى عينيها القويتين، اللتين أحاطت بهنَّ تجعدات العمر، يأخذانك إلى زمن “جيل الطيبين” جيل الآباء والأجداد… والذي ما انفكت الجدة “رابعة” تدندن بأبياتٍ قد تبدو غيّر مفهومةٍ لوهلةٍ إلى أن تَذرف دمعةٌ حارةٌ، تنزل من خدها الأسمر المُجعّد، لتظهر خلجات حنينها لمنزلها الذي هجرته قسراً.
تُصفق بيديها ذات اليمن، وذات الشمال، بأسى ثم تبدأ بسرد قصتها، ورحلة تهجير قسري بفعل عدوان الدولة التركية المُحتلة، التي سببت احتلال قريتها “حمام التركمان” في يومٍ مشؤومٍ، اتخذ (التاسع من شهر تشرين الأول 2019) تاريخاً لمأساة ما يُقارب الـ 100 ألف مهجر من أهالي مقاطعة كري سبي/ تل أبيض، ليُقذف بهم الى مُخيمات التهجير على أرضهم السوريَّة.
“تمسك بالتراث”… يَنسف مخططات المحتل
تقطن الجدة رابعة محمد علي (في العقد الثامن من عمرها) بمخيم مهجري كري سبي/ تل أبيض، قصتها تختزل آلاف قصص التهجير، والنزوح للمواطنين السوريين، الذين خرجوا من مناطقهم تاركين بيوتهم، وممتلكاتهم، وذكريات لا تُعوض بثمن، بمواجهة مُحتل غاصب، يُخطط لنسفها، وزرع تاريخ جديد، ولكن تبادر الجدة بإطلاق عبارة، تنسف ما يخطط له المحتل بإصرارٍ على العودة، وإحياء ذكرياتها وتاريخ آبائها وأجدادها على أرضها، وفي منزلها: “يا بني الحق لا بد أن يرجع لأصحابه، مهما طال الزمن، ومثلما مر أسلافهم (العثمانيون)، سيمر هؤلاء عاجلاً أم أجلاً”.
وعن قصة تهجيرها تقول الجدة: “هُجرنا من بيوتنا في بلدة حمام التركمان (15 جنوب مقاطعة كري سبي/ تل أبيض المحتلة) بعد دخول مرتزقة تركيا المحتلة إلى مناطقنا، لم نفكر لوهلة في العيش تحت ظل الاحتلال، لذلك كان الخيار الأفضل لنا هو الخروج مع آلاف الأهالي من بلدتنا، ومن القرى والمناطق الأخرى، التي دنسها المحتل، لا شك أن خروجي من بيتي لأول مرة في حياتي، هو من الأفكار، التي أرفض التفكير بها أصلاً، ولكن البقاء والتعايش مع مُحتل غاصب من الأفكار المرفوضة قطعاً”.
وأردفت: “لم أعاصر أسلافهم العثمانيين القدامى، ولكن كنت أسمع القصص الوحشيَّة عنهم، ولوسائل التعذيب، التي كانوا يستخدمونها بحق كل من يعارضهم، أو يقف بطريقهم، كانت أساليب وحشية للغايَّة، حتى أن آباءنا كانوا يهددوننا بهم على سبيل التخويف، لذلك كان هنالك تصور مسبق عن هؤلاء (العثمانيين الجدد)، وكيف سيقومون باحتلال مناطقنا، وتعذيب كل من يُعارضهم بتلك الأساليب لا فرق بينهم، وفعلاً تردنا الأخبار عن اعتقال فلان وفلان…أو نساء من بلدتنا، ومن القرى والبلدات الأخرى، وممارسة الأحكام الجائرة، والظالمة بحقهم والتنكيل بكل من يعارضهم”.