الأمس جينا واليوم أرميتا..!

هيفيدار خالد_

ما أشبه اليوم بالأمس… اليوم أرميتا غراوند وفي الأمس جينا أميني. أرميتا شابة كردية ستة عشر عاماً، تنحدر من ولاية كرمانشاه الغربية التي تقطنها غالبية الكرد، وتعيش في طهران، تعرضت قبل أيام في مترو الأنفاق للعنف والاعتداء الجسدي على يد ما تعرف بضابطة الحجاب (شرطة الأخلاق)، ومن ثم دفعها بالقوة بحجة أنها لم تغطِّ شعرها بالشكل الصحيح، لتبدأ بعدها تلك الضابطة بالصراخ في وجهها ومهاجمتها جسدياً، قبل أن يغمى عليها، ويتم نقلها إلى المشفى، إلا أن وسائل الإعلام الإيرانية تكتمت على الخبر، وما يزال الغموص يلفّ مصير الشابة أرميتا حيث منعت والدتها من رؤيتها في المشفى، وكانت السلطات الأمنية الإيرانية قد اعتقلت والدها شاهين أحمدي قبل أيام.

حادثة مؤسفة وأليمة تذكرنا بجريمة مقتل الشابة الكردية جينا أميني على يد ما تسمى شرطة الأخلاق، التي وقعت في العاصمة الإيرانية طهران، وتعيد إلى أذهاننا تفاصيل تلك الجريمة البشعة، التي شابهت بجوانبها وتفرعاتها الدقيقة، الجريمة، التي تعرضت لها أرميتا في طهران. كما أن اللافت في هذا الموضوع أن هذه الجريمة تأتي بعد مرور عام على وقوع الحادثة التي تعرضت لها جينا أميني على يد الأجهزة الأمنية ذاتها وفي المكان ذاته.

نعم، هو ذا ديدن السلطات الإيرانية، عنف وقمع واضطهاد خاصة فيما يتعلق بحقوق النساء في البلاد، حيث فرضت عليهن قيوداً وقوانين صارمة، تحت اسم الإسلام والحجاب فأي مَن تجرؤ على مخالفة تلك القوانين فيما يخص الحجاب أو غيره تلقى ما لاقته كل من جينا وأرميتا في انتهاك صارخ للحريات الشخصية، والقوانين الدولية، وسط صمت دولي مطبق حيال ما تتعرض له هؤلاء النساء والفتيات منذ أكثر من أربعين عاماً.

وعلى الرغم من الجهود الكبيرة، التي تبذلها النساء الكرديات والإيرانيات منذ سنوات في وجه سياسات السلطات الإيرانية، التي تحاول قمع المرأة والقضاء على هويتها من خلال ممارسة شتى الممارسات اللاإنسانية بحقها، إلا النظام الذكوري المتمثل بالسلطات الأمنية والسياسية، مستمر في نهجه الرجعي باستهداف النساء وكيانهن، وبالتالي الحد من دورهن الريادي في المجتمع. إذ إن المرأة المنظمة والمناضلة باتت هاجساً يقض مضجع النظام الإيراني، الذي طالما رأى فيها خطراً يهدد سلطته ومنظومته الذكورية الاستبدادية.

نعم ما أشبه اليوم بالأمس الضحية نفسها، نساء، والمجرم ذاته، سلطات نظامٍ، ولكن الرد على الجريمة، التي تعرضت لها أرميتا سيكون صاعقاً قوياً مضاعفاً هذه المرة بعد كل ما حققته المرأة الكردية والإيرانية في ثورة جينا أميني، لذا على النساء اليوم تصعيد تظاهراتهن واعتصاماتهن المنددة بهذه الأفعال الإجرامية التي يحاول النظام من خلالها النيل من المكتسبات التي حققنها… عليهن الالتفاف حول قضية أرميتا كما التففن من قبل حول قضية جينا أميني تحت شعار “المرأة، الحياة، الحرية” التي تحولت من قضية جينا إلى قضية جميع النساء في إيران ومن ثم في العالم.

المرأة في إيران اليوم منظمة أكثر من أي وقت مضى فهي قادرة على الوقوف بوجه الأنظمة الدكتاتورية وإجراء التغييرات والتحولات الجذرية في بنيتها الاستبدادية، ورفض كل ما من شأنه أن يحط من قيمة المرأة أو ينتقص من حقوقها…  وعليه فإن تحقيق العدالة لروح جينا وأرميتا، وكل من قضى على يد تلك الأنظمة، واجبٌ تقتضيه القيم الإنسانية والأخلاق البشرية.