الآلهة أنثى

هيفا حيدر حسن-

  كانت المرأة في العصور القديمة تتمتع بمكانة كبيرة في المجتمع، وهذه المكانة ليست بجديدة عند المجتمع الكردي، فالحياة تنبثق من رحم الأنثى، ومن صدرها تنبع المحبة، وخصوبتها وأمومتها هي خصوبة وخلق الطبيعة؛ لذا كانت موضع رغبة ورهبة في آنٍ واحد، وهذا ما دفع بالمجتمعات القديمة إلى النظر إليها نظرة احترام وتقدير، وإعطائها تلك المكانة المرموقة، والتي كانت تعكس أهمية الموقع الذي تبوئته ويؤكد على الدور والقيمة الكبيرة، التي من المفترض أن تنالها؛ لتلك المزايا والصفات التي تتمتع بها، لدرجة أن تلك المجتمعات جعلت منها آلهة، لتعبّر بذلك عن إمكاناتها العظيمة التي لا غنى لها عنها في الحياة.

 ارتبطت الآلهة في بعض المجتمعات والثقافات بالحب والأرض والخصوبة، كما ارتبطت بالحرب والهلاك في ثقافات أخرى، أي أن الناس كانوا يرجعون إلى الآلهة عند وقوع مصيبة، أو حدوث حرب وما شابه، ويقدمون القرابين لها؛ لكي ترشدهم وتعينهم في اتخاذ القرارات السليمة، والإجراءات الصحيحة في مثل تلك الحالات المذكورة.

وقد ظهرت في عدة أساطير قديمة، كالإلهة الأم المكتشفة في حضارة تل حلف القديمة، وظهرت في أسطورة التكوين السومرية تمثلت في “نمو” إلهة المياه البدائية، و”إنانا” إلهة الطبيعة والأمومة، ولدى الإغريق تمثل “جيا” إلهة الأرض و”يورانوس” إلهة السماء، كما ظهرت “آرتيميس” إلهة الصيد، و”أفروديت” إلهة الحب والجمال، ولدى العرب تمثلت باللات والعزى ومناة.

إذاً، فالكون كله كان أنثى، وأمّاً معطاءة ومانحة للحياة، وبقيت مقدسة لآلاف السنين، فما الذي حصل لينعكس ذلك على تراجع اعتبارها ومكانتها في المجتمعات؟

تشير الدراسات التاريخية وتنوّه بأن ظهور الرسالات السماوية، أدت إلى حدوث التغيرات في الأوضاع الاجتماعية السائدة آنذاك، وكذلك اكتشاف الزراعة، أدى إلى ظهور مفهوم الملكية الخاصة، إلى جانب التدجين وتربية بعض الحيوانات، كل ذلك لعب دوراً جلياً في إزاحة وتغيير دور ومكانة المرأة في المجتمعات، نتيجة نشوء صراعات سياسية وعسكرية، وبالتالي التركيز والتشديد على ميزاتها الأمومية والإنجابية فقط.

وعلى الرغم من ذلك، نجد أن المرأة قد حافظت على جزء هام من الموروث الثقافي والقومي، والذي بقي راسخاً في حضارات وشعوب عديدة، ودامت آثارها طويلاً.

وقد حافظت المرأة الكردية على قدسيتها، وعلى هويتها على مدى قرون، ومازالت، على الرغم من المعاناة التي أثقلت كاهلها من قبل السلطات الحاكمة، حيث كان وضعها أفضل، مقارنة مع غيرها من النساء في الشعوب الشرق الأوسطية، لقد أعطى الشعب الكردي مكانة عالية للمرأة، ويعزى ذلك إلى طبيعته المسالمة، الداعية للعيش بأمان، وبأنه أكثر تقبلاً لحرية المرأة قياساً بغيره من الشعوب.

وقد برزت على مر الزمن نماذج نسائية كثيرة، حتى وقتنا الحاضر، بعد أن قطعت مسيرة شاقة في مجالات إبداعية، ثقافية، سياسية واجتماعية، إلى جانب تحملهن عبء شؤون الأسرة، كما انخرطت – البعض منهن – بالعمل في النضال التحرري، واستطاعت بإرادتها القوية أن تنجز أعمالاً كثيرة، وتثبت وجودها في كل مجالات الحياة، وتساهم بأعمالها في كل مجالات الفكر والأدب والفن، وفي نهضة مجتمعها، واسترداد كينونتها المشتتة، وضمان حقوقها المشروعة، وهذا كان رأي أغلب المستشرقين والدارسين عنها.