سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

آن الأوان للمرأة للبحث عن تاريخها وحقوقها

هيفاء الرقة –

إن الحديث عن أوضاع المرأة في بلادنا، هو بالضرورة جزء من الحديث المباشر وغير المباشر عن أزمة مجتمعنا الاجتماعية والسياسية والحضارية والثقافية، وذلك لارتباطها بالأزمة العامة للمجتمع انطلاقاً من رؤية معرفية شاملة والبحث في قضايا تساعد في إعادة بناء المجتمعات، ومن هذه القضايا والأكثر أهميةً قضية المرأة وهي من أكثر القضايا الإنسانية التي حازت اهتمام الكثيرين من الرواد والفلاسفة. فهذه القضية قديمة بقدم وجود الإنسان على وجه البسيطة، ولا تخص الجنس الأنثوي فقط، فهي قضية الرجل والمجتمع أيضاً، وحلها يخدم تطور الإنسانية، لذا علينا نحن نساء الشرق الأوسط أن نبحث ونتعمق في سبيل إيجاد حلول للمرأة والمساعدة في إخراجها من دوامة الأحداث والمجريات التي اتخمت فيها ونحاول أن نبين لها حقيقتها وقوة شخصيتها وأنها ليست جارية أو ربة منزل أو أم تنجب الأطفال فقط.
بل إنها تمتلك إرادة وقوة ولكنها كامنة في داخلها لم تكتشفها بعد أو أنها بحاجة لمساعدة لإخراج جوهر المرأة الحقيقي الكامن في شخصيتها منذ خمسة آلاف عام، ومن المعروف أن التاريخ بدأ بدور المرأة المؤثر في عملية الانتقال إلى المجتمعية، فهي من بدأت بالتاريخ في هذه الجغرافية وزادت من الحياة بهاءً عندما عملت بالزراعة وأنشأت القرى وكانت الآلهة المقدسة التي تعطي الحياة وذلك بإنجابها الأطفال، وكان العصر الذي كانت المرأة رائدته عصر الحب والتسامح والاكتشافات، ولكن بعد ترسخ الذهنية الذكورية التسلطية قلبت التاريخ رأساً على عقب مُثمِرَة عنها الدولة والمُلكية والعسكرية والحروب، وتنكرت لوجود تاريخ صنعته المرأة، ليحل محله تاريخ مشحون بقصص الخيانة والكذب والخداع.
أما عصرنا الراهن وما تعيشه المرأة من أحداث هو بمثابة مرحلة انتقالية من المجتمع الذي كان يعتمد الخلق والإبداع إلى مجتمع طبقي تسلطي يطلق عليه “عصر الحضارة”، ولكنه عكس ذلك لكونه انحرف عن مساره وكأنه سفينة تائهة في محيط تأخذها الأمواج حيث تريد، لأن من يقودون هذه السفينة لا يستطيعون التحكم في دفة القيادة لأنهم مشغولون بمن الذي سوف يقود ويكون هو قبطان هذه الرحلة بدلاً من وضع خارطة للطريق الذي سوف يبحرون فيه.
وفي النهاية عبرت سفينتهم إلى مرحلة العبودية وأصبح الإنسان ملكاً لأخيه الإنسان والمرأة فيها كانت أول من تعرض للاستعباد والاستملاك، حيث بدأ الرجل يسن قوانينه ويفرض قيوده على المرأة ليبعدها أكثر عما بدأت هيَ في اكتشافه ويحط من شأنها لينظر إليها المجتمع بعين صغيرة وعلى أنها لا تستطيع أن تكون قيادية أو سياسية كيلا تتدخل في أمور الدولة، لأنها إذا كان لها دور في الإدارة كان لها الحق في اتخاذ القرار وعدم قبولها لقرارتهم المزيفة، واستمر حال المرأة على هذا المسار إلى عصرنا الحالي الذي يعد قرن التطور والانفتاح إلا أنه ما زال محافظاً على الذهنية الذكورية التسلطية وما زال يستمر في اضطهاد المرأة وحرمانها من أبسط حقوقها وفرض القيود عليها، واستمر الرجل في تسلطه وجبروته، ولكن النظام البرجوازي الذي وضعوه انقلب عليهم ولم يعد باستطاعتهم التحكم به وأدخلهم في دوامة من الحروب حتى أنه جعل منهم دولاً متصارعة فيما بينها، وأصبح الشرق الأوسط ككرة في ملعب، وبدأ يشهد المجازر وإراقة الدماء اليومية التي يتم معايشتها، إلى جانب المصادمات من أجل سيادة حزب على آخر أو حركة على أخرى أو حكومة على حكومة أخرى، كل هذا ما هو إلا نتيجة للنظام الذكوري السائد منذ خمسة آلاف عام، لأن تلك الأنظمة لا مكان فيها للمرأة، المرأة التي من صفاتها الرئيسية، العدالة، المساواة، العيش بسلام ودون اقتتال وإراقة الدماء، الابتعاد عن التسلط والفردية.
ويعتبر دور المرأة اليوم واحداً من الأدوار التي لا تلقى ذلك التأييد الواسع في المجتمع العربي الذي لا يزال أسير الفكرة العشائرية القائلة بوجوب خضوعها للرجل وطاعته في جميع الحالات، وبذلك يعطي المجتمع الحق للرجل في التحكم بها كحاجة من حاجاته، يتحكم بها كما يشاء دون أن يحسب للجوانب الإنسانية أية قيمه تذكر، دون أن يتفهم أنها بشر تمتلك مشاعر وأحاسيس وإرادة وقدرة على إثبات الوجود والتفكير بمشاكل عصرها ربما في بعض الأحيان بطريقة تفوق تلك التي يفكر بها الرجل، فإن لديها نظرة للأمور خاصة بها نابعة من إحساسها بالواقع الذي تعيشه، وما لا يدركه معظم الرجال من الذين يتنكرون لحقوق المرأة في المشاركة الحياتية أنها قادرة على تشخيص الكثير من نقاط الخلل في المشاكل الحياتية بعمق تجعل منها عاملاً مكملاً لدور الرجل.
إن منظومة العادات والتقاليد التي ورثها من آبائه وأجداده دون أن يتمعن في صحتها وملاءمتها للواقع الجديد الذي يعيش فيه بل ويشكر في قرارة نفسه تلك العادات؛ تجعله يشعر ولو في بعض الأحيان أنه سيد يطاع وتنفذ أوامره.
وإذا تحدثنا عن وضع المرأة العربية أثناء الحرب السورية فوضعها لا يختلف عما كانت عليه بعد الثورة لأنه لا جديد طرأ على طبيعة القوانين التي تحدد حركتها وحجمها داخل المجتمع، بل هناك منظومة من المفاهيم المغرقة في الجهل هبطت علينا مع الثورة, فبدلاً من إعطاء المرأة الأفضلية نتيجة المظالم التي حلت عليها أيام الدكتاتورية البعثية كانت الضحية الأولى لها المرأة، وعلى الرغم من أن المجتمع بأسره كان أسيراً لحالة استثنائية شاذة من القمع السياسي والاجتماعي إلا أن تلك الحالة أصابت المرأة أكثر من الرجل لإحساسها العميق بالواقع وتأثرها به، وفوق كل ذلك سطوة القوانين الجائرة التي يفرضها عليها المجتمع ونمط الحياة التي تعيشه، فكل شيء أصبح مبرراً بحقها من أفعال حتى وإن وصل ذلك إلى قتلها. إن تمكين المرأة من شق طريقها في الحياة بشكل لا تشعر من خلاله بالظلم أو حتى بعدم نيلها حقها بالكامل يمر عبر انتقالها إلى مرحله أكثر جدية في تعاطيها مع القضايا الحساسة التي تخصها، وبالأحرى عليها خوض صراع مع النفس لقهر جوانب الضعف والجهل والجوانب التي تجعلها دائماً في موقع الضعف.
المرأة هي أكثر من يشعر بالدمار الذي يحيط بالبلد من جميع الأطراف، فالعصابات الطائفية لم تدخر جهداً في جعل المرأة جزءاً من أهداف انتقامها من الشعب، فتعرضت للاغتصاب والاعتقال والقتل والتهجير وأنواع الممارسات اللاإنسانية، ولكن بعد أن لمع فجر الحرية بكلمات سطرها القائد عبد الله أوجلان الفيلسوف العظيم الذي ينادي بالحرية لشعوب لم تكن تتجرأ على الوقوف ضد المتسلطين، ففتح الطريق أمام المرأة لكي تعود من جديد وتثبت للعالم أجمع بأن كل ما كان يزعمه النظام الذكوري من أن المرأة ربة منزل ولا تستطيع فعل شيء آخر، فمن خلال الأزمة وما لعبته من دور رئيسي في جميع الساحات العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية استطاعت أن تكون قيادية وكانت في الجبهات وفي الخطوط الأمامية، فسجل التاريخ أسماء نساء أحبوا الوطن وضحوا من أجله، فضربوا أروع أمثال البطولة والفداء، وأثبتوا لهؤلاء الذين لا يرون الرجولة إلا في الشارب أو اللحية، أن الرجولة الحقيقية هي الموقف ورفض الظلم والذل والانكسار.
وهذا ليس بالشيء الغريب عن المرأة ولها تاريخ يشهد بنساء قياديات وملكات في العصور التي مضت ولكنه كان مخفياً، وما زال الكثير الكثير من تاريخ المرأة مخفياً، وجميعنا أصبح يبحث عما هو مخفي، وإذا استطاعت المرأة أن تبدأ بالبحث عن تاريخها وحقوقها وحريتها وإعادة تنظيمها من جديد فإن هذا يعد عملاً تاريخياً عظيماً يستحق التمجيد والإجلال لأنه سيعيد للمرأة هويتها التي سُلبت منها مع مرور الزمن مما فتح المجال لنشوء الذهنية الذكورية، وواجب على كل امرأة حرة الآن أن تشارك في بناء مجتمع متطور بفكر مشترك يقوم على العدالة والمساواة وحرية الفكر وأن تكسر جميع الحواجز التي وضعت أمامها لتعيد ماضيها الذي سرق منها وتعيد للحياة جمالها وصفوتها.