برخدان جيان_
في إطار ابتزاز الغرب، وتسيس آلية أيصال المساعدات الأممية إلى سوريا، عرقلت روسيا مشروع قرار مجلس الأمن لتمديد مساعداتها إلى سوريا عبر المعابر الحدودية مع الدولة التركية، وبررت موسكو قرارها؛ كونه “يشكل تحدياً لحكومة دمشق”، التي ترى أن تمرير المساعدات، يجب أن يكون عبر المعابر، التي تسيطر عليها، في حين أعربت “واشنطن” عن أسفها إزاء الموقف الروسي، الذي يستخدم حكومة دمشق غطاء شرعياً، تُحمل عليه المواقف كافة، التي تتخذها لتسيس المساعدات الإنسانية، والإغاثية الطارئة الضرورية لملايين السوريين، بهدف تشديد الضغوطات لفرض أجنداتها على الأرض السورية.
وانتهى تفويض مجلس الأمن رقم 2585 في العاشر من تموز الجاري، والذي يقضي بتمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، عبر الحدود مع تركيا من معبر باب الهوى، شمال غربي سوريا لمدة 12 شهراً، ويتعين على المجلس التصويت مجدداً على تمديد عمل الآلية، حيث خاض أعضاء (مجلس الأمن الدولي) مفاوضات متواصلة مؤخراً في محاولة لتجاوز مأزق الفترتين الزمنيتين المتباينتين بين الدول الغربية وروسيا، ولكن من دون جدوى، في حين تضمن مسودة القرار الأخير في نصه، تمديداً لستة أشهر، حتى العاشر من كانون الثاني 2023 “مع إمكانية تمديده لستة أشهر إضافية، حتى العاشر من تموز 2023 إلا إذا قرر المجلس خلاف ذلك”.
وعمدت موسكو في الأعوام الأخيرة إلى استخدام حق النقض مراراً فيما يتعلق بالأزمة السورية، والفيتو، الذي استخدمته موسكو مؤخراً هو (السابع عشر)، الذي تلجأ إليه منذ اندلاع الحرب في سوريا في 2011، ومارست عشرات المنظمات غير الحكومية، ومسؤولون كبار في الأمم المتحدة ضغوطًا في الأسابيع الأخيرة على أعضاء مجلس الأمن، بهدف تمديد المساعدات الأممية؛ لمنع حدوث “كارثة” في حال عارضت القرار روسيا والصين.
موسكو… تعرقل آلية تمرير المساعدات الإنسانية
تمكنت روسيا من تقليص دخول المساعدات عبر الحدود بشكل تدريجي، ليتمَّ التوافق عام 2021 على التمديد لمدة عامل كامل عبر معبر باب الهوى، بعد أن منعَت عام 2020 دخول المساعدات عبر معبر باب السلامة، وقبلها عام 2019 منعت دخولها عبر معبر (سيمالكا) في مناطق شمال وشرق سوريا، والرمثا في مخيم الركبان المحاصر على الحدود السورية الأردنية، ويأتي هذا ضمن سعيها الحثيث للاستثمار في ملف المساعدات الإنسانية كورقة مساومة مع المجتمع الدولي، لدعم مشاريع إعادة الإعمار المبكِّر في البلاد، التي تعرقلها الولايات المتحدة الأمريكية، وحصر دخول المساعدات عبر نظام الأسد في محاولة منها لإنعاشه اقتصادياً، والدفع نحو تعزيز شرعيته السياسية على المستوى الدولي من خلال البوابة الاقتصادية.
وعليه فإن روسيا تلوّح مجددًا بورقة “الفيتو” ضد قرار تمرير المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى، وسط دعوات دولية، وأممية لتوسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري، والتحذير من تداعيات عدم تجديد الآلية، حيث حذر نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (مارتن غريفيث) من أن “عدم تجديد التفويض سيعطّل المساعدات المنقذة لحياة أربعة ملايين شخص يعيشون في الشمال الغربي والشرقي، بينهم أكثر من مليون طفل”.
ويفسر “محللون” التصرفات، التي تقوم بها موسكو، بأنها تفتح الباب مجدداً أمام استمرار (عرقلة روسية) لقرار التمديد، في ظل تأزُّم العلاقات الروسية الأمريكية عالمياً، وانعكاسها على الملف السوري، حيث كان تقاربهما النسبي في سوريا سابقًاً سبباً من أسباب حدوث توافق على تمديد آلية تمرير المساعدات العام الفائت، مع الأخذ بعين الاعتبار تأزُّم العلاقة بينهما مؤخراً نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا، وتأثيرها المحتمَل على مداولات مجلس الأمن حول قرار تمديد إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى الشمال السوري، حيث استطاعت روسيا تكريس دورها السياسي مدعوماً بحضور عسكري استراتيجي في سوريا، وثبّتت نفوذها بعد تدخُّلها العسكري المباشر؛ لدعم “حكومة دمشق” عام 2015 مستغلّة التراجع الأمريكي في المنطقة، وعدم إبداء الإدارات الأمريكية المتعاقبة اهتماماً كافياً بالملف السوري، وكسبت اعترافًا ضمنياً أمريكياً/ غربياً بمصالحها الاستراتيجية في سوريا، مع تسليم القوى الدولية، والإقليمية الفاعلة بالدور الروسي في سوريا.
“استراتيجية روسيا” أثبتت نجاحها بكسب أوراق الضغط
يرى “مراقبون” بأن التراخي الأمريكي، والتجاهل الدولي، اللذين رافقهما تقاعس، وفتور غربيّان عن اتخاذ أي خطوات جادّة ضد الدور الروسي في سوريا؛ مكّنا روسيا من تثبيت رؤيتها، وتوسيع هامش نفوذها في سوريا، الأمر الذي انعكس سلباً على ملف المساعدات الإنسانية عبر الحدود، نتيجة استغلال روسيا نفوذها السياسي في استخدامه ورقة ابتزاز وضغط، ومساومة في عملية التفاوض مع القوى الدولية الفاعلة، وقبولها الموافقة على تمرير قرار تمديد المساعدات مقابل تنازلات لصالح حكومة دمشق، كتخفيف العقوبات الاقتصادية على النظام، وتسهيلات متعلقة بعودته للحضن العربي وتعويمه دولياً.
وظهرَ ذلك جليًّا في مداولات مجلس الأمن العام الماضي، تزامُناً مع خفوت الاهتمام الدولي بالملف السوري بشقَّيه السياسي والعسكري، وتركيز القوى الدولية الإقليمية الفاعلة على الجانب الإنساني، والأمني في سوريا، خاصة الولايات المتحدة، التي أعطت الملف الإنساني زخماً وأولوية مرحلية على باقي الملفات الأخرى، لا سيما فيما يتعلق بموضوع المعابر الحدودية، والمساعدات الإنسانية إلى سوريا، حيث نتجَ عن هذا الأمر زيادة التنسيق الأمريكي، والتفاهم النسبي مع روسيا في سوريا، عُبِّر عنهما سياسيًّا بما يُسمّى خطوة مقابل خطوة ضمن سلسلة من تفاهمات مشترَكة؛ لإعادة تشكيل الملف السوري العام، وميل الطرفَين نحو الدبلوماسية، وتخفيف حدّة الصراع، حيث حصلت روسيا على بعض المكتسبات من الولايات المتحدة، وذلك بالتركيز على فكرة “تغيير سلوك النظام” بدلًا من “الانتقال السياسي”، وتراخيها في تطبيق فواعل قانون قيصر على الدول، التي اتّخذت خطوات تطبيعية سياسية واقتصادية مع حكومة دمشق.
هذا بالإضافة إلى تغاضي الولايات المتحدة عن التحركات الروسية المتزايدة في مناطق ما يسمى بـ”شرق الفرات”، مقابل بعض الضمانات الروسية بشأن الوجود الإيراني في سوريا، والضغط على حكومة دمشق، ونظامها لتقديم بعض التنازلات فيما يتعلق بالمسار السياسي، أدّى هذا بطبيعة الحال إلى حدوث تفاهُم مبدئي بين الجانبَين على ملف تمديد المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وتنازُل روسيا عن تعنُّتها في قرار إيقاف المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى، عقب التفاهُم مع الولايات المتحدة، وتقديم الولايات المتحدة بعض المحفّزات لروسيا، بعد اللقاء، الذي جمع الرئيس الأمريكي جو بايدن ببوتين في جنيف، وتأكيد بايدن على أهمية توسيع الممرّات الإنسانية كشرط للتعاون المستقبلي في سوريا.