“آستانا ٢٠” يدفِنُ أحلام السوريين

عزيز سليمان_

كانت بدايات آستانا في مطلع ٢٠١٧، حيث أصبحت البازارات السياسيّة تطفى على المشهد السياسي السوري والمقايضات بدءاً من الغوطة، وصولاً لحلب وعفرين، وتقسيم مراكز النفوذ بين روسيا وإيران وتركيا، وما تبقّى من نفوذ لحكومة دمشق، والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

على مدار سبع سنوات، حدث تغيّر كبير في خارطة النفوذ على الأرض، وبخاصةٍ  احتلال عفرين وسري كانيه وكري سبي/ تل أبيض، وإجراء تغيّر ديمغرافي في المناطق التي احتلتها تركيا، والانتهاكات بحق الأهالي، والاستيلاء على أراضيهم ومنازلهم وممارسة الخطف والقتل بحق شعب عفرين، أيضاً حرّفت مسار ما تسمى بـ”الثورة السوريّة” من ثورة كانت تُنادي بالحرية والكرامة إلى شعارات أُفرِغت من مضمونها، حيت أصبحت تركيا بدعم الإخوان المسلمين، وإنشاء مجموعات متطرفة لخدمة مشروعها الشرق أوسطي، المتحكمة في مصيرهم، وأصبح السوريون و/للأسف/ مرتزقة يقاتلون في ليبيا وأذربيجان، من أجل المال.

كان لاجتماعات آستانا دور كبير في قتل وتهجير الشعب السوري، فبعد كل اجتماع كان هناك ضحايا ورسائل متبادلة، وكان آخر اجتماع لفرقاء آستانا على أرض كازخستان، فهل انتهى دور آستانا أم هل كان البيان الختامي هو خارطة الطريق التي ستُحدد في المرحلة القادمة.؟.

المسار السياسي أهم بنود اجتماع آستانا

يبدو إن هناك أمور جمّة اتفق عليها أطراف آستانا ومنها “أهمية مواصلة الجهود النشِطة لاستعادة العلاقات بين تركيا وسوريا، الالتزام الثابت بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية، أهمية دفع هذه العملية على أساس حُسن النيّة وحُسن الجِوار من أجل مكافحة الإرهاب، مواصلة التعاون من أجل مكافحة الإرهاب ومواجهة الخطط الانفصالية الرامية إلى تقويض سيادة سوريا وسلامتها الإقليمية، وتهديد الأمن القومي لدول الجوار، رفض جميع المحاولات الرامية إلى خلق حقائق جديدة على الأرض بما في ذلك المبادرات غير القانونية بشأن الحكم الذاتي بحجة مكافحة الإرهاب، القلق من المضايقات التي تمارسها الجماعات المتطرفة ضد السكان المدنيين بما في ذلك التجنيد القسري والممارسات التمييزية في مجال التعليم، رفض المصادرة غير القانونية للثروات وتحويل عائدات النفط التي يجب أن تكون للسوريين، الالتزام بتعزيز عملية سياسية يقودها وينفدها السوريون أنفسهم بمساعدة الأمم المتحدة.

هناك إيحاء بل توجه مباشر لهذه القرارات، والواضح أن من صاغ هذه البنود يتميز بدرجة كبيرة من العنصرية تجاه مشروع الإدارة الذاتية، متغافلين /عمداً/ أعداد الشهداء والجرحى، والصمود في وجه مرتزقة داعش ودحرهم، والعيش في أجواء القلق والتوتر والمعاناة، مع ذلك احتضنت هذه الإدارة التي يناصبونها العداء علانيةً مئات الآلاف بل وملايين النازحين من مناطق سوريا كلها، وما زالت هذه الإدارة تحتجز الآلاف من مرتزقة داعش بعد أن هزمتهم على الأرض في مخيم الهول أخطر المخيمات في العالم، هل هذا كله وهم بالنسبة لفرقاء آستانا، ومن قال إن هذه الثروات ليست مُلكاً للشعب السوري؟ ولكن ألا يوجد شعب هنا أيضاً، وهو بحاجة إلى ثروات كان في الماضي كحارس لها فقط.

هناك بند لفت انتباهي وهو الالتزام بتعزيز عملية سياسية يقودها وينفدها السوريون أنفسهم بمساعدة الأمم المتحدة، هل تركتم إرادة للسوريين والأمم المتحدة، إذاً اعملوا وفق القرارات الدوليّة /قرارات جنيف في٢٠١٢ وقرار مجلس الأمن ٢٢٥٤.

لقد تم مصادرة قرار السوريين من قبل فرقاء آستانا، إن الدور الروسي السلبي تجاه الإدارة الذاتية ما هو إلا إرضاءً لتركيا، ويجب على الروس تحمّل مسؤوليتهم عما يجري من استهداف لقيادات مدنية في الإدارة الذاتية، ومن ذلك استهداف دولة الاحتلال التركي في يوم ٢٠ حزيران الجاري سيارة مسؤولين في الإدارة الذاتية، واستشهاد ثلاثة مسؤولين وجرح رابع، وهي رسائل لأطراف آستانا أثناء اجتماعهم، بينما كان الطيران الروسي يقصف وسط إدلب، وأيضاً قبلها مقتل العشرات من جنود النظام.

 لقد كان تحذير ديمتري بيسكوف في محله، إذ قال إن أردوغان سوف يبقى متفرعنا طالما المسألة الأوكرانية لم تُحسم لمصلحة روسيا.

إن هذا الدور الإجرامي الذي يُمارس على الإدارة الذاتية لإنهاء مشروعها الوطني، سوف يفشل لأن شعوب هذه المنطقة تُعرف عند الشدائد، وعلى الحليف الأمريكي والتحالف الدولي عدم الصمت حيال هذه المخططات، ويجب على الدبلوماسية السياسية؛ أي مجلس سوريا الديمقراطية أن يقرع جميع الأبواب، لأن هكذا عقلية متعصبة لا تؤمن بالحل الديمقراطي، رأينا ما تفعله روسيا في أوكرانيا من تدمير واحتلال، كم هؤلاء الفرقاء يشبهون بعضهم في قتل شعوبهم، يجب على كافة الشرفاء في الإدارة الذاتية والأحزاب السياسية الموالية والمعارضة، نبذ الخلافات لأجل آلاف الشهداء والجرحى الذين ناضلوا في سبيل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لشعوب المنطقة، لأجل أن تتكحل أعين ذويهم وأهاليهم بحياة آمنة وأخوّة وديمقراطية راسخة.