أوجلان…. الزعيم والقضية

رجائي فايد – 

 بعد أكثر من عقدين من الزمان على طبع هذا الكتاب، وجدنا أننا بحاجة لإعادة قراءته من جديد، ومن ثم إعادة طباعته، فالاسم يزداد ألقاً كلما بقي السجّان مُصرّاً على الاحتفاظ بسجينه خلف القضبان، وغاب عن إدراكه. أن هذا السجين لم يعد سجيناً في واقع الأمر، فقد تحوّل من سجين بالجسد، إلى فكرة ثم فلسفة بحث عنها المظلومين في الأرض من أجل الخلاص من ظالميهم، عجزت قضبان السجن على حجبها، لتنطلق وتجد من يتلهف على التقاطها، وتتوحد مع مفرداتها، ثم نجح بشكل مدهش بتحويلها من إطارها النظري إلى تطبيقها على أرض الواقع، ليحول الحلم إلى حقيقة مدهشة، وجدت من يؤيد ويحتفى بتلك التجربة ويتمنى تعميمها، وفي المقابل كان العداء للتجربة لأنها تقف ضد أطماعه في شراهة نهب ثروات الشعوب والتلذذ بقمعهم، ولكن التطبيق العملي لهذه التجربة جعلها تستأسر اهتماماً متزايداً بها، فهؤلاء يقومون بشيء مختلف عما تعودناه وجُبلنا عليه، فالمرأة صارت شريكة في العملين السياسي والمجتمعي، فلا تابع ولا متبوع، وكذلك الشباب، الكل رفاق بالاسم والحقيقة، من هنا كثرت التساؤلات حول هؤلاء، وكانت عودتنا في زيارة إلى الكتاب الذى صدر منذ أكثر من عقدين من الزمان، فربما نقرأ فيه الإرهاصات التي أثمرت ما نراه ونرقبه من منظومة تدعو للدهشة، فقرأنا أنه سجل كيف تحول صاحبه من بطل على الصعيد المحلي إلى بطل على الصعيد العالمي، تفوق بما قدمه للإنسانية على جيفارا ومانديلا، فجيفارا بنضاله وتضحياته وصلابته التي لا تلين، ومانديلا سجين الفصل العنصري، لم يقدما للإنسانية ما قدمه أوجلان من إنجاز فكري مع عدم التقليل من شأن هذين العظيمين (جيفارا ومانديلا)، وأنعشت ذاكرتنا بهذه الزيارة، وعشنا كيف كانت تتعامل الأنظمة الشوفينية مع من يختلف معها، وكيف تتعاون تلك الأنظمة فيما بينها كي تتوحد لمواجهة عدو مشترك، يسعى لرفع راية المظلومين وتحرير رقابهم من ظالميهم، أما على الصعيد المصري، فقد سجل هذا الكتاب إسهامات الكتَّاب والشعراء بهذا الحادث الجلل، وكانت احتجاجاتهم صرخة في وجه النظام حينئذ، لأنه كان صاحب الخطوة الأولى في دراما اعتقال أوجلان، عندما توسط بين تركيا وسوريا رضوخاً لتهديدات الأولى، ومما كتب كمثال للاهتمام المصري الشعبي بقضية البطل أوجلان، فقد كتب صاحب نوبل نجيب محفوظ (الأكراد مظلومين وقضيتهم إنسانية وسياسية كبرى)، وكتب أشرف خميس (من جيفارا إلى أوجلان…عمليات قذرة ضد الثوّار)، وكتب الوزير السابق إسماعيل صبري عبد الله (جريمة خطف دولية)، وكتب الكاتب الكبير صلاح الدين حافظ (الدراما الكردية وتفجير ملف الأقليات)، وكتب سامى منصور (الخطف وحكومة الإرهاب من إيخمان حتى أوجلان.. دور ثابت للموساد)، وكتب محجوب عمر (من باروخ إلى أوجلان.. العميل الإسرائيلي مستعد)، وكتبت أول وزيرة مصرية في التاريخ المصري حكمت أبو زيد (أوجلان.. رجل بأمة) ، ويصعب علينا أن نحيط ونذكر كافة إسهامات الكتّاب والمفكرين والشعراء المصريين بهذا الحدث الجلل.

لقد أعيد طباعة هذا الكتاب في روج آفا، ثم أعيد طباعته من جديد في القاهرة، ليكون باكورة إصدارات دار نفرتيتي (جميلة الجميلات الكردية زوجة فرعون مصر إخناتون)، ونظم الدار ندوة هامة للكتّاب، تطرقت إلى مناقشة الشأن الكردي وما يمكن أن تسهم مصر في مجال التقارب مع الأشقاء الكرد، كما أن دار نفرتيتي كما قال مؤسسيها سوف تتخصّص في نشر الثقافة الكردية، ونحن نتمنى له التوفيق، لأنها بذلك يسهم في التقارب بين مصر والكرد.