مستلهماً روح مظلوم دوغان… ديميرتاش لجلاده ستدفع الثمن

فايق عمر (إعلامي وكاتب)-

بالنسبة للشعب الكردي عند التطرق إلى قصص الصمود والثبات في وجه الطغاة والجلادين بالسجون والمعتقلات، تقفز إلى الأذهان فوراً الوقفة الشامخة للمناضل مظلوم دوغان ورفاقه من الرعيل الأول المؤسس لحزب العمال الكردستاني، في سجن آمد (ديار بكر). فكما هو معروف فإنه وعقب الانقلاب العسكري الذي شهدته تركيا سنة 1980، ومجيء الطغمة العسكرية الفاشية إلى السلطة بقيادة الجنرال كنعان إفرين، سيئ الصيت والسمعة، جرى اعتقال الآلاف من أبناء الشعب الكردي، بينهم العشرات من الشباب المؤسس للعمال الكردستاني ومنهم مظلوم دوغان.

التعذيب الوحشي الذي مارسته سلطات السجن ضد المعتقلين أضعف من معنويات البعض منهم، ولاستنهاض الهمم وإعادة بث روح المقاومة فيهم والدعوة لمواصلة الصمود والثبات في وجه الجلاد، أطلق مظلوم دوغان صيحته الشهيرة “المقاومة حياة”، هذه الصيحة أو العبارة، أصبحت فيما بعد نهجاً وشعاراً موحداً لمقاومة الكرد داخل السجون والمعتقلات، ليس في تركيا فقط، بل أيضاً ضد بقية الأنظمة المضطهدة للكرد، وكان طبيعياً مثلاً أن تجدها مكتوبة على جدران زنازين النظام البعثي في سوريا التي مرّ عليها المعتقلون الكرد.

لم تكن مقاومة مظلوم ورفاقه مألوفة أبداً، وقد تحوّلت إلى مضرب للمثل في قوة الإرادة والثبات في وجه الجلاد بلا خوف أو وجل، ومن بين الأمثلة الكثيرة المتداولة والدالة على مدى صمودهم وقوة الشكيمة التي تحلوا بها، هو تهديدهم للجلاد داخل السجن بدفع الثمن بينما هم يواجهون الموت بالتعريض لأقسى صنوف التعذيب الوحشي الجسدي والنفسي والذي تسبب بالفعل في استشهاد عدد منهم.

ومما يُحكى أن من بين أكثر السجّانين جبروتاً وبطشاً بالمناضلين الكرد في سجن آمد، الضابط المدعو أسعد أوكتاي، الذي واجهه مظلوم ورفاقه غير مكترثين بالموت المتربص بهم، بتهديده بدفع الثمن وبعدم الإفلات من العقاب، استشهد مظلوم دوغان داخل السجن لكن رفاقه وفوا بالوعيد الذي قطعه للجلاد بأن قتلوه في وضح النهار وسط إحدى المدن التركية، وبينما كان المسدس مصوباً فوق رأسه كانت آخر كلمات يسمعها “نحن رفاق مظلوم دوغان.. ألم نقل لك بأنك ستدفع الثمن”.

بتلك الوقفة الشامخة والإرادة الجبارة تحدى مظلوم دوغان ورفاقه طغمة الانقلاب العسكري وأفشلوا محاولاتها في إخماد نيران الثورة، التي أشعل أولئك المناضلون شراراتها الأولى ولا تزال بفضل روح المقاومة التي صنعوها مستمرة لغاية هذا اليوم داخل السجون وخارجها.

على خطى طغمة الانقلاب العسكري الفاشية يشنّ النظام التركي الحالي برئاسة الطاغية المستبد أردوغان، ومنذ سنوات، حملة اعتقالات عشوائية طالت الآلاف من أبناء الشعب الكردي بينهم العديد من السياسيين والنشطاء الحقوقيين والمدنيين ورؤساء البلديات المنتخبين، وسط تقارير أممية عن انتهاكات فظيعة تُرتكب بحق المعتقلين في سجون أردوغان، منها ثبوت العشرات من حالات القتل تحت التعذيب.

ومرّة أخرى، يتأكد أن جميع محاولات كسر إرادة مقاومة الشعب الكردي ستبوء بالفشل، إذ إن روح المقاومة التي جسدها مظلوم دوغان في سجن آمد تظهر اليوم من جديد، وهذه المرة بَطلُها هو صلاح الدين دميرتاش، الرئيس الأسبق لحزب الشعوب الديمقراطي، المعتقل ظلماً منذ أكثر من أربع سنوات بمزاعم وحجج لا أساس لها من الصحة.

وخلال مثوله أمام قضاة أردوغان لم يرضخ للضغوط ولم يستجدِ أي عطف أو استحسان، بل واجههم بكل شجاعة وكبرياء متهماً إياهم بـ “تأسيس دكتاتورية الرجل الواحد”، وبتنفيذ أوامر أردوغان، كما خاطب ديميرتاش القضاة داعياً إياهم بعدم التضحية بأنفسهم من أجل السلطة، قائلاً إنها “ستتغير بنسبة 99 في المئة في الانتخابات القادمة”، بل إنه توعدهم بالمحاسبة وبدفع ثمن خنوعهم لأردوغان والانتهاكات التي يرتكبونها “سيتم استدعاؤكم إلى اللجنة القضائية في البرلمان، سيسألكم البرلمان القادم عن ملفاتنا وسأطلب أن تحاسبوا على كل ما فعلتموه أمام القانون”.

ديميرتاش ومعظم رفاقه الآن في السجون ولا تزال حملة الاضطهاد السياسي متواصلة، مع وجود محاولات مكشوفة لإغلاق حزبهم، وفوق كل ذلك هو مهدّد في حال استمرار نظام أردوغان في السلطة، بقضاء بقية حياته خلف قضبان السجن، لكن كل هذه الضغوط لم تستطع إرهابه وإسكات صوت الحق الذي بداخله، وبدلاً من الخضوع والاستسلام لأردوغان وجلاوزته وقف شامخاً وقفة المناضل السياسي المؤمن بعدالة قضيته وبحتمية انتصارها مهما طال الزمن، ومهما بلغ الطغاة ظلماً ووحشية وجبروتاً.

وهكذا مستلهماً روح مقاومة مظلوم دوغان ورفاقه في سجون طغمة الانقلاب العسكري، يحمل صلاح الدين ديميرتاش اليوم شعلة المقاومة في سجون الطاغية أردوغان، ومثلما تحقق وعد مظلوم ورفاقه بأن قُتل الجلاد ولم تُخمد ثورتهم، ليس هناك ما يدعو للشكّ في أن جلّادي ديميرتاش ورفاقه أيضاً سيُوضعون في السجون يوماً ما، ليُحاسبوا على ما اقترفوه من مظالم.