حلب/ رامان آزاد ـ
تحاول أنقرة عبر جملةِ إجراءاتٍ شكليّةٍ وترقيعيّة احتواءَ التقاريرِ الدوليّةِ والحقوقيّةِ والإعلاميّة والتي تثبتُ بشكلٍ قطعيّ حجماً كبيراً من الانتهاكاتِ لحقوق الإنسانِ في المناطق التي تحتلها، والتي ترقى إلى التوصيفِ بجرائمِ حربٍ، وتعوّل في ذلك على ماكينتها الإعلاميّة ومرتزقة الأقلام والابتزاز السياسيّ، وقد أوعزت إلى الائتلافِ القيامَ بجملةِ إجراءاتٍ لتجميلِ صورةِ الاحتلالِ القبيحة، ولكن غربالَ الائتلاف لن يغطيَ على حقائقِ الانتهاكاتِ.
إقرار بعيد نوروز مفرّغٍ من جوهره
مشهدُ تخريبِ النصبِ التذكاريّ لكاوا الحداد يوم إعلانِ احتلالِ مدينة عفرين ومشاهد الدعس على الرموزِ والأعلامِ الكرديّة ما زالت ماثلة في الأذهانِ، ومن بعدها كان مَنْعُ الاحتفالِ بعيد نوروز واعتقال من يوقد شعلة نوروز وسلسلة الإجراءاتِ العنصريّة ضد المواطنين الكرد، واتهامهم بالكفر والإلحاد، وحوادث غيرها كان مبعثها حقدُ أنقرة وتنكّرها للحقوقِ والخصوصيّة الكرديّة إضافة لتأكيدِ تصريحات مسؤوليها وسياستها داخل تركيا وخارجها.
إلا أنّ أنقرة اتجهت بالأشهرِ الأخيرة لتبنّي سياسةِ تجميلِ الاحتلالِ، بعدما ارتفعتِ الأصواتُ المنددة بالاحتلال والمطالبة بإنهائه وصدرت تقارير أمميّة توثّق الانتهاكات. وفي هذا السياق أعلن في 15/3/2021 ما يسمى “الائتلاف الوطني”، قراراً يقضي بجعل يوم 21 آذار عطلة رسميّة في المناطقِ الخاضعة لسلطتها، بمناسبة عيد نوروز. وقال المدعو شلال كدو، سكرتير حزب اليسار الديمقراطيّ الكرديّ، وعضو كتلة المجلس الوطنيّ الكرديّ بالائتلاف، أنَّ المجلس عرض خلال الاجتماع أن تكون الذكرى السنويّة لعيد نوروز في 21 آذار يوم عطلة رسميّة بالمناطق التي تتبع لسلطة الائتلاف. وأكّد “كدو” أنّ “القرارَ اُتخذ بالإجماعِ المطلق بعد مناقشة مستفيضة دون أن أدنى اعتراضٍ”.
وفي 18/3/2021 أقام “الائتلاف الوطنيّ” احتفاليّة في عفرين فيما سمّاها مناسبة الذكرى العاشرة “للثورة السوريّة” وعيد النوروز بالتشارك مع “رابطة المستقلين الكرد السوريين”. وألقى المدعو “نصر الحريري” كلمة أشاد فيها بدور الكرد في “الثورة السوريّة”، ومواقفهم التاريخيّة تجاه الحفاظ على الأراضي السوريّة ووحدة الشعبِ السوريّ، وأكّد على أهمية التلاحم والعمل معاً لإكمال مسيرة “الثورة” وتحقيق طموحات الشعب السوريّ بالحرية والكرامة والديمقراطيّة.
ونشرت عضوة الائتلاف ربا حبوش على موقع تويتر صورتها وتقول “أنا زيتون من إدلب واليوم أزرع الزيتون في عفرين”، متجاهلةً قطع أكثر من نصف مليون شجرة زيتون في عفرين.
في سياق آخر غير مباشر بدأت سلطات الاحتلال التركيّ بالإفراج التدريجيّ عن المعتقلين القدامى ممن أمضوا أكثر من ثلاثين شهراً في السجن، وكانوا من عداد المختفين قسراً ومجهولي المصير.
ما يحدث يشير بوضوحٍ إلى أنّ الخطة موضوعة استخباراتيّة، وتنفذها أدوات الاحتلال، للانتقال إلى مرحلةِ تثبيتِ الواقعِ الراهن، رغم أنّ المناطقِ المحتلة لم تشهدِ الاستقرارَ الأمنيّ، وتتكرر فيها حوادثُ التفجيرِ والاعتقالِ التعسفيّة، وما يؤكد شكليّة الإجراءات أنّ قوات الاحتلال التركيّ تقصف بشكلٍ مستمرٍ مناطق التهجير القسريّ وقرى منبج وعين عيسى، وأقامت قاعدة عسكريّة بريف تل تمر وهي ماضيةٌ في سياستها الاحتلاليّة، فيما غاية تلك الإجراءاتُ الدعاية.
ما يقوم به الائتلاف هو تنفيذٌ لتعليماتٍ تركيّةٍ لتجميلِ صورةِ الاحتلالِ، وبدأت بذلك سلسلةُ زياراتِ أعضاءِ الائتلافِ إلى عفرين المحتلة، من قبل رئيسه المدعو “نصر الحريري” وعضو الهيئة السياسيّة المدعو “عبد الله كدو” وزاروا حقول الزيتون المستولى عليها بقوة السلاح، والتقوا لصوص الزيتون متلبسين بالجرم المشهود والتقطوا الصور التذكاريّة معهم على أنّهم “أصحاب الأرض”.
وبذلك فإنّ مضمونَ عيدِ نوروز الذي تمّ إقراره مفرّغٌ من جوهره وقيمِ الحريةِ، ويُقصدُ به الترويج الدعائيّ، وفق المواصفاتِ القياسيّةِ التي وضعتها أنقرة للكرديّ “الجيّد”.
حجم مروّع من الانتهاكات
هل يمكن لإجراءاتِ الاحتلالِ الترقيعيّة أن تغطيَ على الانتهاكات الموثقة، والتي نذكر منها قتل 161 مواطن استشهدوا في جرائم القتل العمد والتفجيرات وتحت التعذيب خلال الاختطاف، بينهم /29/ طفلاً و/18/ امرأة.
فيما تجاوز العدد الكليّ للمعتقلين والمختطفين والمخفيين قسراً 8 آلاف حالة اعتقال واختطاف خلال السنوات الثلاثة الماضية وشملت الرجال والنساء والقاصرين والمسنين. وأما الذين ما زالوا قيد الاعتقال فيقدر عددهم: 1600 مواطناً ومواطنة. ونُقل نحو 100 معتقل إلى الأراضي التركيّ ليمثلوا أمام المحاكم التركيّة ثم تصدر بحقهم أحكامٌ جائرة.
وفي عفرين وحدها أكثر من أكثر من 20 سجناً، منها سجن البراد وسجون المدارس (الاتحاد والكرامة وأزهار عفرين، أمير غباري) وسجن المحكمة، وسجون في قرى (كفرجنة، ترندة، كوران، باسوطة، المحطة براجو، شنغيليه، قرمتلق، خريبة) وفي أحياء المدينة (الأشرفية والمحمودية، شارع الفيلات) وسجون سريّة خاصّة بكلِّ فصيل، إضافة لسجون الشرطة العسكريّة والمدنيّة. كما يتمُّ نقل المواطنين من أهالي عفرين إلى سجون خارج الإقليم إلى (الراعي وسجن الزراعة بالباب وسجو في مدينة إعزاز).