الرقة مدينة الرشيد

رستم عبدو-

الرقة كما جاءت في معجم البلدان لياقوت الحموي تعني كل أرض إلى جانب واد ينبسط عليها الماء, وجمعها رقاق، وهي الأرض اللينة التراب، وقال إنها من أعمال الجزيرة, وهي مدينة كبيرة كثيرة الخيرات، فهي تقع على الضفة اليسرى لوادي الفرات, في موضع متوسط منها, في المنطقة المحصورة بين نهر الفرات ورافده البليخ.

تأتي أهميتها من كونها تشكل عقدة للمواصلات البرية بين الشرق والغرب والشمال والجنوب بالقرب من التخوم الشامية, بالإضافة إلى أنها كانت تشكل ممراً مائياً بين مدينتي أورفا وبغداد وبالعكس، ناهيك عن خصوبة أراضيها ووفرة مياهها وكثرة مراعيها وبساتينها, الأمر الذي جعل منها أحد المحطات التجارية الهامة ومركزاً أساسياً لتجميع المحاصيل الزراعية والبضائع المختلفة وسوقاً لتبادل السلع ومصدراً لتصدير المؤن إلى الكثير من البلاد المجاورة.

عرفت الرقة في المصادر الإسلامية بأسماء عدة كالرقة أو الرقة البيضاء والرافقة والرقة السوداء والرقة السمراء ورقة واسط والرقتان, وهناك من يقول أن رقة واسط هي مدينة أخرى تقع في الجانب الغربي من الرقة (الرافقة) على طريق الرصافة، وكذلك الرقة السوداء التي كانت تقع في الجهة السفلية منها, على عكس الرافقة التي كانت متصلة البناء بالرقة.

استُوطنت الرقة خلال فترات البرونز القديم منذ الألف السادس قبل الميلاد وازدهرت في الألف الثالث ق.م وذلك في موضع يعرف اليوم بتل البيعة الواقعة في الجهة الشمالية الشرقية منها, خلال الفترة السلوقية (القرون الثلاثة الأولى ق.م) كانت تعرف بـ نيكفوريوم Nicphorium قبل أن تخضع للنفوذ الروماني اعتباراً من القرن الأول الميلادي حتى القرن الثالث الميلادي, ولتنتقل بعدها للنفوذ البيزنطي في الفترة الواقعة بين القرن الثالث والسابع الميلادي وتسمى بـ كالينيكوس Calinicus  ومن ثم لينتوبوليس .Leontopolis

ازدهرت الرقة في ظل الدولة الأموية لاسيما من الناحية المعمارية, فقد أعارها هشام بن عبد الملك جانباً من اهتمامه وأحبها قبل أن يتخذ منها قاعدة ومقراً لجيشه وذلك في الفترة الواقعة بين أعوام 724-743 م. كانت أسواق الرقة, والتي سميت فيما بعد بسوق هشام العتيق, التي أنشأها هشام، تمول جيوش بني أمية بالمؤن والعتاد خلال محاربتهم للخوارج كما بنى هشام في الجانب الغربي منها قصرين كان ينزلهما في طريقه إلى الرصافة غربي الرقة.

خلال الفترة العباسية, بنيت الرقة على شاكلة بغداد بأبوابها وشوارعها وذلك في نهاية مستقيمة بمحاذاة الفرات, حيث بنى حولها سوراً ضخماً مزدوجاً, داخلياً وخارجياً, من الأجر المشوي على شكل حدوة فرس، وذلك بطول 5كم, مدعم بـ 132 برجاً وجعل فيها ثلاث بوابات, واحدة في الزاوية الجنوبية الشرقية وتعرف ببوابة بغداد, والثانية في الجهة الشمالية وهي بوابة ضخمة سميت ببوابة أورفا، والثالثة في الجهة الغربية وهي صغيرة وعرفت ببوابة الجنان, وأحاط السور من الخارج بخندق مائي, كما بنى المنصور جامعاً على شكل صحن واسع يحيط به الحرم وثلاثة أروقة تقع على الأضلاع الشرقية والشمالية الغربية ضمن ساحات منفصلة. اتسع العمران في عهد هارون الرشيد اتساعاً عظيماً، حيث شيد هارون الرشيد قصوراً بهيئة مجمعات أو وحدات الحكم والسكن والمؤن، ولعل أهمها قصر السلام.

فقدت الرقة منزلتها في أواخر القرن الثالث الهجري في عام 1192م تعرضت الرقة لهجمات الصليبيين ثم بعد ذلك حكمها السلاجقة والأتابكة والأيوبيون, قبل أن تتعرض المدينة للغزو المغولي عام 1258م الذين عاثوا فساداً في ربوعها.