الهجرة من الريف إلى المدينة وآثارها

قامشلو/ سمر عثمان ـ

الهجرة بالمفهوم العام هي الانتقال من مكان إلى آخر، لتوفر ظروف جيدة في المكان الجديد، أصبحت غير متوفرة في المكان الذي هاجر منه الأشخاص، فهي ظاهرة طبيعية بمختلف دول العالم.

الهجرة إلى المدينة هو الانتقال من السكن في الريف إلى السكن في المدينة، نظراً لتوفر شروط وظروف في المدينة جاذبة للسكان وغير متواجدة في ذات الوقت في الريف.

شهدت مناطق سوريا بشكل عام هجرةً من الريف إلى المدينة، وهي هجرة لها أسبابها، وهي ظاهرة قديمة، لكنها ازدادت بشكل كبير في ظل الأزمة السورية الممتدة على مدى عقدٍ من الزمن.

كما ذكرنا سابقاً فإن موضوع الهجرة ليس بجديد لكنه ازداد في الفترة الأخيرة، وكما ذكرنا كان للأزمة السورية دور في زيادة هذه الهجرة من الأرياف إلى المدن، مما أدى إلى زيادة عدد السكان في المدينة بالإضافة إلى الزيادة الطبيعية في سكان المدن.

أسباب الهجرة

تختلف دوافع وأسباب الهجرة من الريف إلى المدينة، ولعل أهمها:

ـ توفر الخدمات الصحية كالعلاج والأدوات الطبية في المدن ونقصها أو قلتها في الريف.

– توفر فرص العمل في المدينة أكثر من الريف وذلك لتطور القطاع الصناعي وحاجته لأيدي عاملة بشكل كبير. توفر طرق المواصلات بشكل جيد في المدينة، وارتفاع مستوى المعيشة في المدينة مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى الأرباح والدخل.

الآثار المترتبة على الهجرة

 للهجرة بشكل عام آثار إيجابية وسلبية على المنطقتين، سواء الريف أو المدينة، فمن الآثار الإيجابية المترتبة على الهجرة أنها غالباً تساعد في إيجاد فرص عمل جديدة والعمل على تطوير البنية التحتية وتحسين مستوى المواصلات والاتصال وزيادة دخل الفرد وتحسين مستوى التعليم لدى العائلة.

أما الآثار السلبية تتمثل في قلة المساكن في المدينة وارتفاع أسعار العقارات بشكلٍ عام نتيجة زيادة عدد السكان، كما أنه سيكون هناك زيادة في الضغط على المرافق العامة كالمياه والمواصلات، كما ستؤدي الهجرة إلى إحداث نقص في الريف من خلال الأيدي العاملة في المجال الزراعي والذي له دور في توفير الأمن الغذائي للبلاد بشكل عام.

الفروقات بين المدينة والريف

هناك فروقات عدة بين المجتمع الريفي ومجتمع المدينة، إذ إن لكل مجتمع خصائص ومميزات يتميز بها عن الآخر، فعلى سبيل المثال: عدد السكان في المجتمع الريفي قليل مقارنةً بعدد السكان في المدن، كما أن الروابط الأسرية في المجتمع الريفي تكون أكثر ترابطاً نوعاً ما من المدن لوجود المجتمع العشائري الذي يفرض التواصل بين أبناء المجتمع.

التلوث يكون في المدينة كبيراً ومنتشراً لكثرة المصانع والسيارات، مما يترتب عليه ازدياد نسبة الأمراض لدى سكان المدن، في حين أن المجتمع الريفي يمتاز بالطابع الزراعي وبالأجواء النظيفة مما أدى إلى تقليل نسبة الأمراض الناتجة عن التلوث، لكن في الفترة الأخيرة انتشرت ظاهرة حراقات النفط البدائية التي أدت إلى تلوث الريف بسبب الدخان المتصاعد من هذه الحراقات والمشبع بالغازات السامة التي تملأ سماء المنطقة.

أما بالنسبة لمستوى المعيشة فإن دخل الفرد في المدينة يزداد نظراً لطبيعة الأعمال المربحة في قطاع الصناعة والخدمات، مقارنةً بدخل الأفراد القليل في الريف الذين يعملون بالقطاع الزراعي.

تزداد العلاقات الاجتماعية في القرى نوعاً ما بخلاف المدينة التي تقل الروابط الاجتماعية فيها، ولتسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع التقينا بأشخاص من مجتمع المدينة ومجتمع الريف أيضاً.

محمود الجاسم رجلٌ في الأربعين من عمره هاجر من قريته “الشيبانية” إلى مدينة قامشلو وقال أنه لم يعد هناك عمل في الريف إذ كان يعمل في القطاع الزراعي، وقد تضرر القطاع الزراعي في الفترات الأخيرة بشكل كبير لقلة الأمطار وارتفاع تكاليف الإنتاج وارتفاع أسعار المحروقات والأسمدة، كما أن بعض الخدمات من كهرباء وماء وخبز قد توقفت بشكل كبير في الريف، مما دفعه للهجرة إلى المدينة، وهو لديه خمسة أولاد، كلهم يعمل في القطاع الصناعي، وأصبح لديه دخلٌ ثابت وخدمات متوفرة في المدينة فيقول: “وجدت الراحة في المدينة فهي توفر كل شيء تقريباً”.

وعلى الطرف الآخر نجد المواطن فيصل الجدعان يسكن في الريف ويرفض الهجرة إلى المدينة فهو يقول: “إن الريف يوفر لي مساحة للعمل في تربية المواشي ولا أستطيع تربيتها في المدينة”.

فهذه المواشي توفر له دخلاً من خلال بيعها كما أنه يعمل في تربية الدواجن المحلية، ويطلب من السلطات توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي، لأن الريف كان ولا يزال المصدر الرئيسي للحبوب والخضراوات والفاكهة بالنسبة للمدينة، على حد قوله.

ونرى في نهاية المطاف أن للهجرة بشكل عام آثاراً وأسباباً ونتائج على المجتمعين، سواء في الريف أو المدينة. البطالة من أهم الآثار المترتبة على الهجرة، فالهجرة من الريف إلى المدينة تؤدي إلى نقص في الشواغر المتوافرة للعمل، ويعتبر غلاء المعيشة في المدينة من الأسباب الرئيسية التي تعمل على تشكل الأحياء الفقيرة.