No Result
View All Result
المشاهدات 1
آراس بيراني –
للحرب أهوالها، وفظاعاتها؛ بدون مقدمات تنظيرية ودونما استهلال نقدي، كوننا عشنا مآسي الحرب من موت وتهجير ونزوح وتشرد، وتدمير، وعشنا كل مفردات الحرب، وكأن الكاتب الإيطالي “لويجي بيرانديللو” (١٨٦٧_١٩٣٦) يتحدث عن التغريبة السورية، وتراجيديا الموت والحياة في بلدنا وقبل قرن من الزمن، فمن عنوان القصة (الحرب) يمكننا تصور جبهة عنيفة، وجنود يصرخون، ثيابهم متسخة وبقع من الدم قد جفت على بزاتهم العسكرية، سحنات متعبة، وعيون تراقب الموت، وهدير عربات ثقيلة تهز الأرض والقلوب معاً.
إنها الحرب بوجهها القبيح.. حيث الجراح والأنفاس الأخيرة وأنين الوجع، وحشرجات الاحتضار، العيون غائرة تتلون بالرمادي المائل إلى لون الفولاذ المزرق تشير للموت وللوجع، الجبهة لا سكون فيها.. ترقّبٌ حذر وجلجلة أسلحة، وصراخ المحاربين المشوب ببعض الخوف وبكثير من الحماس والجرأة، تلك صورة المعركة.
أما محطة “فابريانو” حيث لا قيمة لمأساة فردية إزاء مآسي الحرب الجمعية، خمسة ركاب يتبادلون في حوار قلق، ودونما اكتراث بالموت أو الفجيعة، الكل يحاول أن يجد مبرراً لجعل الموت أقل تراجيدية، الكاتب” لويجي بيرانديللو” يضعنا أمام خمسة آراء عبر حوار بسيط يزداد تعقيداً كلما طرح أحدهم فكرة ما عن معنى فقدان الأبناء أو الابن إن كان وحيداً، إبداع “بيرانديللو” يكمن في فلسفته حول الموت وتأثيره على الآباء والأمهات، يحاول أن يقنع محاوره، أو قراءه، بأن الشباب في سن العشرين يغنون للوطن وهم يتقدمون للموت بجباه مرفوعة و قلوب ملتهبة بعشق الوطن.
وربما في رد أحدهم حينما يقول: هل نفكر في الوطن عندما ننجب أبناءنا؟
في هذا السؤال نحن أمام أحجية او مأزق وجودي حاد، كيف يمكن أن يحيا الوطن دون موت الأبناء، وكيف نحافظ على سعادة القلب وهناءة الحياة في ظل وطن محتل أو وطن سيحتله الآخر؟! أسئلة كثيرة يطرحها “بيرانديللو” رغم بساطتها إلا أنها موغلة في العمق ومن الصعوبة الإجابة عنها.
للحرب قوانينها، وإن كانت تضرب بكل القوانين عرض الحائط، الابن الوحيد يتطوع بشرط أن لا يشارك بالأعمال القتالية إلا بعد ستة أشهر، الوالدان يملؤهم الأمل بأن الحرب ستنتهي قبل انقضاء مهلة الأشهر الستة، برقية مستعجلة تغير من إيقاع حياتها الرتيب، يدخلون حوارات مع رجال يعانون من “محنة مشابهة”.
للحزن أو للألم تراتبية، فالوجع ليس دوماً هو هو.. وإنما حسب فلسفة ابتكرها الآباء الذين يرفضون فكرة الحزن أو البكاء، يرفضون أن يسمو كل ذاك الألم بالمحنة، … يتصاعد الأمل والفرح و تبدأ السحنات الكالحة والوجوه الكئيبة بالاعتدال.. يتقبل الجميع فكرة الموت على أنها ثمن لوجودهم وثمن لخبزهم ولحياتهم ضمن أحضان الوطن..
في نهاية القصة يلجأ الكاتب “لويجي بيرانديللو” إلى إخبار القارئ بأن للموت سطوته وللفراق الأبدي وجعه العميق مهما حاولنا أن نفلسف الحياة والوجود ومهما جهدنا في استسهال فكرة الفناء.
حينما يحدق الجميع بالرجل.. بالأب المفجوع بموت ولده، تنفجر الدموع من عينيه، تخنقه العَبَرَات وتخذله الكلمات واللغة، مع ذاك السؤال أدرك الرجل للتو أن ابنه قد مات وأنه لن يعود وهو الذي كان في بداية حواره يهزأ بالبقية بأن الموت ضرورة كالخبز؛ ومن أجل أن يحيا الوطن.
No Result
View All Result