بلاد آبومApum

رستم عبدو-

شهدت أراضي الجزيرة السورية قيام العديد من المدن والممالك مع بداية العصر الحجري الحديث (Neolithic), حيث استطاعت البعض من تلك الحضارات القديمة فرض نفسها خلال فترات تاريخية معينة كأحد الأطراف الأساسية على الساحتين المحلية والإقليمية.

من هذه المدن والممالك نذكر بلاد آبوم التي ورد اسمها كمدينة وبلاد Mat Apim  في العديد من المصادر التاريخية القديمة, كالوثائق الآشورية العائدة لفترتها الأولى, والمكتشفة في كانيش (كول تبه/ قيصري في الأناضول) وأيضا الوثائق الكتابية المكتشفة في مدينة ماري (تل الحرير بالقرب من دير الزور) العائدة لبدايات الألف الثاني ق.م بالإضافة للعديد من الوثائق الكتابية المكتشفة في موقع تل ليلان الأثري والعائدة لنفس الفترة تقريباً.

حيث أن “بلاد آبوم” وتعني بلاد القصب, كانت خلال القرن الثامن عشر ق.م عبارة عن مملكة, وكانت تشمل معظم المناطق الشرقية من حوض الخابور العلوي, حيث أن الإطار الجغرافي لهذه المملكة كان محصوراً بين وادي جغجغ غرباً ووادي رميلة شرقاً, وبين سفوح طور عابدين الجنوبية شمالاً ووادي الرد جنوباً.

برزت مملكة آبوم خلال الربع الأول من الألف الثاني ق.م على الصعيدين السياسي والعسكري, كما تميزت كذلك على الصعيد الديني حيث كانت لهذه المملكة ربة رئيسية تسمى “بيليت آبوم” أي سيدة آبوم والذي يعتقد أن معبدها الذي لم يكتشف بعد موجود في تل ليلان, حيث كانت تقيم فيه الاحتفالات والمناسبات الدينية.

تعايش في هذه المملكة الخوريون والأموريون بسلام جنباً إلى جنب وساهما معاً في ازدهارها على الرغم من اختلاف أصولهم الدينية والعرقية.

أكدت الكثير من المصادر التاريخية الحديثة بالوجود الأصيل للخوريين في منطقة الخابور, على الأقل منذ النصف الثاني من الألف الثالث ق.م, وأشارت تلك المصادر إلى انتشار كثيف للقبائل الأمورية في تلك المنطقة أيضاً بدأ مع مطلع الألف الثاني ق.م.

حيث أنه من المعروف أن الموطن الأصلي للخوريين كان على جانبي المجرى العلوي لنهر دجلة وروافده الشرقية, وأنهم انتشروا في المناطق السهلية الشمالية من سوريا والعراق خلال الألف الثالث ق.م, وتمكنوا في منتصف الألف الثاني ق.م من تأسيس مملكة خوري- ميتاني التي امتدت من زاغروس حتى المتوسط، كان مركزها مناطق مثلث الخابور, في حين أن الموطن الأصلي للأموريين كانت مناطق شبه الجزيرة العربية وذلك قبل قدومهم لمناطق وادي الفرات الوسط, أواخر الألف الثالث ق.م كثاني الهجرات السامية بعد الهجرة الأكدية. بالعودة لـموقع شخنا (تل ليلان) عاصمة بلاد آبوم, نجد أنها تقع على الضفة اليسرى لنهر الجراح, وأنها خضعت لتنقيبات نظامية من قبل جامعة ييل الأمريكية منذ عام 1979, وأن بدايات الاستيطان فيها يعود للألف الخامس ق.م, وأنها ازدهرت في الألف الثالث ق.م, حيث برزت كقوة سياسية مركزية منذ عام 2600 ق.م وكانت تعرف حينها باسم شخنا, قبل أن تهجر أواخر الألف الثالث ق.م, ثم بعد ذلك أعيد بناؤها من قبل شمشي أدو عام 1792 ق.م وسميت بـ” شُبت إنليل” أي مدينة الإله إنليل.