العلاقات الثقافية الكردية اللبنانية

دلشاد مراد –

أبدى الشعب الكردي في روج آفا وسوريا بمختلف أطيافه وفئاته موقفاً تضامنياً مع الشعب اللبناني في محنته إثر انفجار مرفأ بيروت والذي أودى بحياة قرابة 200 شخصاً وجرح 6 آلاف آخرين. هذا الموقف الذي لم يأتِ من فراغ، بل هو مخاض ونتاج علاقات عائدة إلى مئات السنين.

إذ تعود العلاقات الكردية اللبنانية إلى عهد الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي حين انتقلت عائلات كردية عديدة إلى لبنان كان معظم أفرادها موظفون أو إداريون في مملكته، كما التجأت عائلات كردية من كردستان إلى لبنان في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كآل جنبلاط وآل سيفا وغيرهم، وتحولت بعض منها إلى أسر حاكمة اندمجوا في المجتمع اللبناني.

وفي الربع الأول من القرن العشرين هاجر عشرات الآلاف من الكرد إلى لبنان هرباً من البطش التركي بُعيد انهيار الثورات الكردية في تلك الفترة، وسكن معظمهم في ضواحي بيروت وغيرها من المدن اللبنانية.

كانت لبنان إضافة إلى منطقة التجاء للهجرات الكردية، معقلاً لحراك سياسي وثقافي كردي نشط في أوقات مختلفة في القرن العشرين، بدءً من احتضان المؤتمر التأسيسي لمنظمة خويبون (الاستقلال) عام 1927م، ولعل من أبرز محطات الحرك الثقافي الكردي في لبنان:

ـ قيام كاميران عالي بدرخان بإصدار جريدة روزا نو (اليوم الجديد) في بيروت خلال عامي 1943-1946م. وكذلك ملحق للجريدة باسم  ستير (النجمة) خلال عامي 1943- 1945. وتدريس اللغة الكردية في معهد (لاييك) ذي الشهرة الواسعة عام 1940م. وكذلك إطلاق القسم الكردي في إذاعة الشرق الأوسط الفرنسية في بيروت عام 1941م.

ـ تأسيس جمعيات وروابط ونوادي ثقافية كردية عديدة في لبنان كالجمعية الكردية اللبنانية الخيرية (1963) ورابطة كاوا للثقافة الكردية (1978)، جمعية نوروز الثقافية الاجتماعية  (2014).

ـ صدور مجلة (سوركول) الثقافية والسياسية بترخيص رسمي من وزارة الإعلام اللبنانية عام 1995م وذلك بدعم من حركة التحرر الكردستانية، واستمرت صدورها لعدة سنوات.

وعلى الرغم من كل ما ذكر، ينبغي الإشارة إلى أن وضع الجالية الكردية في لبنان غير مستقر، وليس هناك من سياسة أو برامج خاصة للاهتمام بهم وبثقافتهم. ويبدو أن التعقيدات الطائفية تلعب دورها في ذلك، حيث يسعى بعض الأطراف لجذبهم واستقطابهم لصالح تعزيز مواقعه ونفوذه وخاصة في بيروت العاصمة حيث يقيم هناك عشرات الآلاف من الكرد في حي الأكراد خاصة. وقد حاول بعض الرموز اللبنانية تحسين وضع الكرد كرئيس الوزراء الأسبق الراحل رفيق الحريري الذي أصدر قراراً بتجنيس 10 آلاف كردي، إلا أن تلك المحاولات تبقى غير كافية لوجود قسم كبير من الكرد اللبنانيين بدون جنسية، وعدم الاهتمام بوضعهم السياسي والثقافي. كما أن التشتت وسوء التنظيم الداخلي للجالية الكردية في لبنان يضعف من موقفهم أمام الحكومات والرأي العام في لبنان. ولهذا فإن لعموم الحركة الكردية في كردستان الدور الكبير في النهضة الثقافية والسياسية لكرد لبنان للقيام بدورهم اللائق في ترسيخ العلاقات اللبنانية الكردية وعموم شعوب المنطقة.

كما إن ظهور بعض المثقفين اللبنانيين كأصدقاء ومؤيدين للقضية الكردية في كتاباتهم ونتاجاتهم ومواقفهم يعتبر مؤشراً إيجابياً بكل الأحوال عن تطور العلاقات الثقافية والسياسية بين شعوب المنطقة عما قبل، إلا أنها تحتاج إلى مأسسة تلك العلاقات حتى تأخذ منحى أكثر تأثيراً على أرض الواقع.