وأخيراً اجتمعوا على كلمة سواء  (2)

رجائي فايد –

بعد أن تمخضت اللقاءات والاجتماعات المضنية، إلى الاتفاق الذى أُعلن، وهو أقرب إلى مشاورات وتفاهمات أولية، يجب التعامل معها بصفتها خارطة طريق لما يجب أن يسعى إليه في خطوات لاحقة، وعليه فسيظل ما اتفق عليه مجمداً، إلى أن يتم تفعيله بإجراءات على الأرض، وبرعاية رعاة هذه الاتفاقية، وعندها سيشعر المواطن والمتابع بثمرة هذا الاتفاق، لكن ما تحقق حتى الآن، وهو ما يشعر به المواطن هو وقف حملات الاتهامات المتبادلة، وهذا شيء في حد ذاته أمر طيب، لكن لأن طريق المصالحة في بدايته ويحتاج إلى جهود مضاعفة حتى يثمر لما بعده، ومن المؤكد (وهذا ما نأمله) أن تسير تلك الجهود في مناخ أقرب إلى الود وعلى عكس ما مضى، ولأني مغرم بأن التاريخ الذى كثيراً ما يعيد نفسه، خصوصاً في الحالات الكردية، لذا فإنني أتذكر موقفاً مشابهاً لما أقول، أتذكر تلك الأحداث التي جرت في كردستان العراق أو باشور كردستان حسب الخطاب الكردي، فقد تم توقيع اتفاقية واشنطن عام 1998، وظلت تلك الاتفاقية دون تفعيل على أرض الواقع، إذ بقيت الإدارتان في كل من أربيل والسليمانية بلا توحد، كما أن البرلمان الكردي في أربيل (والذى يجب أن يكون البداية) مازال معطلاً، ولكن حالة التراشق الإعلامي، هي ما شعر بها المواطن إذ توقفت الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، وأتذكر مشاركتي في احتفالية مئوية الجواهري، والتي نظمت في أربيل ثم في السليمانية، حيث أقيم للشاعر الكبير تمثالان (نُحِتا في إيطاليا) في المدينتين، وأذكر أنه عندما انتقلنا من القسم التابع لأربيل، إلى القسم التابع للسليمانية، وعند قرية (دكله)، شعرنا ونحن نترجل من الحافلات، بأننا ننتقل من دولة إلى أخرى، فهناك منطقة حياد فاصلة بين القسمين، فالرايات الصفراء (رايات الحزب الديموقراطي الكردستاني) نودعها، والرايات الخضراء (رايات الاتحاد الوطني الكردستاني) تستقبلنا، لكن ما لاحظناه، أن حالة جنود البيشمركة وسلاحهم في كلا الطرفين، كانا في حالة استرخاء، ولا توجد حالة تحفز لأي مواجهة، كان ذلك في عام 2000، إلى أن بدأت تلوح في الأفق السياسي، إرهاصات ما تنوي الولايات المتحدة القيام به ضد نظام الحكم البعثي في بغداد، وأصبح السؤال الدائم على كل لسان (هل ستنشب حرب أمريكية ضد بغداد؟)،وكانت الإجابة المنطقية على هذا السؤال بعد أربع سنوات من اتفاقية واشنطن، إذ اجتمع البرلمان الكردي الذى كان معطلاً، وبحضور الزعيمين الكرديين (مسعود البارزاني وجلال الطلباني)، كما حضره أيضاً المندوب السامي الأمريكي (زلماى خليل زاده)، وأرملة الرئيس الفرنسي الراحل (دانييل ميتران)،وبذلك تم هذا التوحد الكردي للبرلمان على أرض الواقع، في إطار التخطيط السياسي الأمريكي لتهيئة المناخ للضربة الأمريكية القادمة، والتي كان من أهمها هو تفعيل اتفاق واشنطن بين أطراف المكون الكردي في العراق، كي تصبح المنطقة الكردية (التي كان يتجمع فيها كل جرحى نظام البعث من المعارضة)،إحدى قواعد الانطلاق الهجومي على نظام البعث في بغداد، وبالفعل تم ذلك فيما بعد، نستنتج من ذلك أنه يصعب على أي متابع للشأن السوري، أن يبتعد بالرعاية الأمريكية لمسألة المصالحة الكردية، عما تخططه الولايات المتحدة بشأن النظام في دمشق، من خلال التطبيق الفعلي لقانون قيصر، ولأن القانون قد سمح في تطبيقه باستثناءات لبعض مناطق سوريا، فإنه من المؤكد أن شمال شرق سوريا تأتي في مقدمة تلك المناطق، وهذا ما يخفف من وطأة تلك العقوبات عليها، ولكن الأهم هو أن الرعاية الأمريكية للوضع الدستوري لتلك المنطقة، في إطار الدولة السورية، والتي من المتوقع أن تصبح دولة اتحادية، فإن تلك الرعاية ستعزز من مكانة تلك المنطقة محلياً ودولياً، وبالتالي ستشارك في أي مفاوضات أو ترتيبات بشأن مستقبل سوريا.