روناهي/ قامشلو: بعد رحلة طويلة من العلم والمعرفة والتعلم، كانت قامشلو محطته الأخيرة لينشر فيها ما يُبدع؛ ولتكون وجهة لكل مُحبي الموسيقى ومتذوقيها، فكان معهد واشو كاني كالنبع الذي لا ينضب مهما كانت الأسباب والظروف.
بالموسيقى ترتقي الشعوب وتتواصل فيما بينها، فهي مفتاح أبواب العوالم والثقافات جميعها؛ وبها يستطيع الإنسان الإفصاح عن مشاعره وتقديمها للمجتمع بأبهى صورة مفعمة بالحياة والألحان والأنغام العذبة، ومن هذه النقطة أحبَّ البشر واستعذبوا جميع أنواع الموسيقى وبمختلف سمفونياتها، فكانت رفيقة الجميع في الأحزان والأفراح، فكل شخصٍ يجد ضالته في أغنيةٍ ما أو مقطعٍ موسيقيٍ لعازفٍ وإن كان من غير بلده أو يتكلم غير لغته، فالموسيقى تدخل القلوب دون عوائق وحواجز مداعبةٍ حس كل أحدٍ بلطفٍ ونعومة، وقد كان لابن سري كانيه/ واشو كاني؛ وتراً يعزف عليه من أجل وطنه وقوميته، ولم يستطع الجلوس دون أن يمارس هوايته في المجال الموسيقي حتى بعدما أضطر إلى النزوح وترك بيته؛ ومكوثه في قامشلو بسبب هجمات الاحتلال التركي على سري كانيه، وقام بافتتاح معهده الخاص لتعليم الموسيقى وعلى كل الآلات الموسيقية في قامشلو.
وجهة “كاوا كالي” إلى قامشلو
اختار الحي الغربي موقعاً للمعهد؛ مقابل مدرسة ” الشريف الرضي”، “كاوا كالي” ذو التسعة وعشرين عاماً بابتسامة لا تفارق وجهه يستقبل طلابه، ليمنحهم ما يملك من معرفة وعلم ليستفيدوا منه، ويزرع فيهم حب الموسيقى والحياة من خلال شرحه لهم كيفية العزف بكلٍ حب، وعن هذا الأمر تحدث لنا أستاذ الموسيقى في معهد واشو كاني “كاوا كالي” قائلاً: “منذ عام 2006م، أعزف على الطمبور ووقتها كانت هناك صعوبات كثيرة في معرفة قواعد العزف، وفي عام 2008م؛ بدأت بدراسة النوطة وتحسّن عزفي بعدها؛ وأخذت دروساً خاصة من أجل تعلم كيفية تدريس الطلاب”.
وبعد ثورة روج آفا التحق “كالي” بمركز الثقافة “واشو كاني” في سري كانيه وعمل هناك على الموسيقى، ودرّس في أكاديمية يكتا هركول؛ وتخرّج منها حاملاً في جعبته الخبرات والمعرفة التي أراد أن ينقلها إلى الأطفال، وعن هدفه من فتح المعهد في قامشلو قال: “لقد كنت أرى الكثير من الأطفال الذين توسم فيهم الإبداع، والمحبين للموسيقى؛ ولكن لم يتواجد ذلك المعلم الرصين الذي يشغله تعليم الطفل الموسيقى بشكلٍ أكاديمي وصحيح، فقمت بافتتاح المعهد وأتمنى أن يكون وجهة الذين ضلوا طريقهم باحثين عن معلمين جديرين بتعليم العزف”.
الموسيقى علمٌ وفنٌ لا ينحصران
لقد وجد أمله في أعين هؤلاء الصغار وقدم وسيبقى يقدم أفضل ما لديه من أجلهم، فالموسيقى مهمة جداً للأطفال وحسب ما عبّر الأستاذ “كاوا كالو” أنها لسان العالم الذي يتقنه الجميع، وتُنقي الذهن وتنشط الذاكرة وتقوي التركيز، لهذا يجب على الأهالي أن يوجهوا أطفالهم إلى ما يهوون في أوقات فراغهم ليكونوا في المستقبل كما الفلاسفة أجمعين الذين كانوا يتقنون العزف على الآلات الموسيقية ويبرعون في المجالات العلمية، وسجل التاريخ أسمائهم كـ”أنشتاين ـ الفارابي” والكثير من العلماء الذين توصلوا إلى أن الموسيقى علمٌ واسعٌ وكبير يحمل في جيوبه الإبداع والآفاق الفكرية دون قيود وحدود، وقد لفت انتباهنا طفلٌ يتقن العزف بأروع الألحان؛ بشغفٍ يحرك تلك الأوتار لتغدو أنغاماً تجذب الأذن لسماع المزيد، وبرقةٍ وطفولة أجابنا الطفل “مصطفى رستم” ذو الثلاثة عشر عاماً عن هوايته التي يحبها “أحب الطمبور كثيراً وأعزف منذ زمنٍ فأنا أجد في الموسيقى راحتي واهتمامي؛ فهي هوايتي المفضلة، وفي فصل الصيف أتوجه إلى المعهد لأزيد مهاراتي”. وقد وجه رستم كلمة إلى الأولاد من عمره يناشد فيها كل أحدٍ يهوى الموسيقى والعزف أن يسعى إلى أن يتعلمها، وألا يهملوا هواياتهم.
إن الموسيقى كانت المحرض الأساسي في كل صنوف العلوم التي تعاملت مع العقل ومع الروح، فلا تخلو فلسفة روحية من الموسيقى لا كشيء ثانوي بل كأساس مثل اليوغا، مثالاً لا حصراً، واكتملت العلاقة عندما وضعت أسس علم النفس الحديث التي وجدت في الموسيقى دواءً للعديد من الأمراض النفسية سواء بالسماع لها أو بعزفها.