مشروع طريق »الحرير الجديد» ومعركة إدلب؟

صلاح إيبو –

استأثرت منطقة الشرق الأوسط عامة وسوريا بخاصة بأهمية اقتصاديّة واستراتيجيّة فكانت محطَّ الاهتمام الدوليّ قديماً وحديثاً. ولم تشذ الصين عن هذه القاعدة، رغم التزامها بسياسة هادئة نسبيّاً قياساً بروسيا والولايات المتحدة، ويعود تاريخ العلاقة الصينيّة بسوريا لقرونٍ طويلةٍ، باعتبارها جزءاً من الطريق التجاريّ الذي ربط الصين بالمنطقة العربيّة والمعروف بطريق الحرير قديماً.
مع قيام جمهورية الصين الشعبيّة في خمسينات القرن الماضي أولت حكومتها اهتماماً خاصاً بسوريا، وكانت بمنظورها خط الدفاع الأول عن مصالحها في آسيا الوسطى والقوقاز ونقطة ضعف للنفوذ الغربيّ بمنطقة الشرق الأوسط، وممرَّ النفط العراقيّ حتى بداية الثمانينات مع قطع العلاقة بين سوريا والعراق وكذلك النفط السعوديّ. ومن المهم ملاحظة موقف بكين من الأزمة السوريّة وتأكيدها على أنّ سوريا بوابتها على البحر المتوسط، وجاء التصريح بعد انطلاق الربيع العربيّ والأزمة الليبيّة وإزاحة الصين من مجال الاستثمارات النفطيّة فيها، ويشكّل الشريط الشماليّ والساحليّ السوريّ منطقةً تجاريّة مهمةً، سيما وأنّ سوريا تحتل مكانة متقدّمة بالمشروع الصينيّ الذي رُصد له ترليون دولار لدعمه وتنفيذه، «مشروح الحزام الواحد والخط الواحد المعروف بمشروع طريق الحرير الجديد»، لربط قارات آسيا وأوروبا وأوراسيا وأفريقيا ببعضها عبر شبكة طرق بريّة وبحريّة تمرّ عبر 70 دولة.
سوريا والعراق وإيران من أهم دول الشرق الأوسط بالمشروع الصينيّ، الذي يعبر العمق العراقيّ إلى الساحل السوريّ، ويلقي بظلاله على الحرب في سوريا، ويساهم بوضعِ روئ الحلّ بما تمليه المصالح الاقتصاديّة للدول الكبرى ومن بينها روسيا والولايات المتحدة الأمريكيّة.
وبالفعل بدأت الحكومة السوريّة بطرح جملة مشاريع داعمة لهذا المشروع، كتوسيع البنى التحتيّة في طرطوس واللاذقية ولاسيما الموانئ والطرق، إضافة لربط مدينة الميادين القريبة من الحدود العراقيّة السوريّة بالساحل السوريّ عبر إنشاء طريق سريع تجاريّ، أُعلن عنه فور سيطرة قوات النظام على مدينة الميادين من مرتزقة داعش.
واليوم يلقي هذا المشروع ظلاله على معركة إدلب المرتقبة، فسيطرة المجموعات المسلحة المدعومة تركيّاً على إدلب المحاذية للساحل السوريّ، تشكّل تهديداً دائماً على طرق التجارة هناك، إضافة لتهديدها المباشر للقواعد الروسيّة بالساحل، حيث شهدت الفترة الماضية هجماتٍ بطائرات مسيّرة، ووفق المعطيات الاقتصاديّة تحرصُ دمشق وموسكو على إحكام السيطرة على جبل الأكراد باللاذقية وأجزاء كبيرة من إدلب لحماية طرق التجارة التي استثمرت فيها الصين وروسيا ملايين الدولارات.
مقابل ذلك تحاول تركيا عبر وجودها بإدلب السيطرة على طريق الحرير الجديد وتوجيهه كليّاً إلى الأراضي التركيّة وبهذا تُفهم محاولة تركيا السيطرة على الشريط الشماليّ للحدود السوريّة التركيّة، وصولاً إلى سنجار بالعراق والحدود الإيرانيّة، إذ تفرض سيطرتها على الطريق البريّ بين العمق العراقيّ والموانئ السوريّة، مع إمكانية السيطرة المستقبليّة على كلّ اقتصاد المنطقة.
الصين اليوم هي المنافس التجاريّ الحقيقيّ لأمريكا، ومن المتوقع أن تصبح أكبر اقتصاد بالعالم عام 2050م حيث ستمثل نحو 20% من الناتج الإجماليّ العالميّ، وستأتي السعودية بالمركز الأول عربيّاً والـ 13 عالميّاً وفقاً لتقرير شركة «برايس ووتر هاوس كوبرز» للخدمات المهنيّة، وبالتالي فالمشروع الصينيّ ينافس مشروع الشرق الأوسط الكبير الغربيّ، وربما يشكّل الوجود الأمريكيّ في العراق وسوريا حجر عثرة أمام المشروع الصينيّ الذي طرحه الرئيس الصينيّ «شي جين بينغ» عام 2013م.

الغاز يتدفَّق على طريق الحرير التاريخيّ

تتجّه الصين بقوة الآن لتصبح الامبراطوريّة التجاريّة الأكبر بالعالم، فماذا يعني ذلك اقتصاديّاً وسياسيّاً، للولايات المتحدة الأمريكيّة ودول أوروبا والشرق كروسيا والهند وبخاصة للشرق الأوسط؟ يُعرف «طريق الحرير الجديد» باسم حزام واحد وطريق واحد؛ وهو عبارة عن مبادرة الحزام الاقتصاديّ لطريق الحرير البحريّ وطريق الحرير للقرن الـ21، ويهدف إلى إحياء وتطوير طريق الحرير التاريخيّ، بمدّ أنابيب للغاز الطبيعيّ والنفط وتشييد شبكات من الطرق وسكك الحديد ومدّ خطوط للطاقة الكهربائيّة والانترنت، ويتكون طريق الحرير الجديد من طريق بريّ وطريق بحريّ، وتهدف مبادرة الحزام والطريق، إلى تطوير وإنشاء طرق تجاريّة وممرات اقتصاديّة، تربط أكثر من ستين دولة. وبتحليل الأزمة الأمريكيّة الإيرانيّة نجد البعد السياسيّ للمشروع الصينيّ واضحاً، يجب النظر إلى ما يحدث بالمنطقة من انتقال حالة الصراع من الساحة السوريّة والعراقيّة إلى تركيا وإيران، فكُرةُ النار تتدحرج وإن اختلفت الأسباب والقوة الدافعة لها، وذلك يتعلق بمحاولات الصين لمدّ خط استراتيجيّ وشراكة استراتيجيّة (طريق الحرير الجديد) من الشرق باتجاه أوروبا مروراً بإيران وتركيا وكان هذا الخط يعتمد على ما تسمّيه إيران بمحور المقاومة، ولكن الآن تغيّرت الاستراتيجيات، وأصبحت إيران وتركيا محل رهان الصين والاتحاد الأوروبيّ لإنشاء هذه الشراكة الجيواستراتيجية، ومن هذا المنطلق فإنّ بقاء تأثير الولايات المتحدة على الشرق الأوسط يعتمد على عدم مدّ هذا الخط وقيام هذه الشراكة، وإذا توسّعت الصين باتجاه الغرب ستخسر الولايات المتحدة وروسيا حيازة النفوذ لصالح الصين وبعض الدول الأوروبيّة وبخاصةٍ ألمانيا وفرنسا.
تشكّلُ مناطق شمال وشرق سوريا التي حرّرتها قسد والمتصلة بالعمق العراقيّ، أهميّة سياسيّة واقتصاديّة بالنسبة لأمريكا وحلفائها، ولكن لن تكتمل الاستفادة الأمريكيّة القصوى من المنطقة إن لم يكن هناك ممرٌ بحريّ يربط هذه المنطقة بالعالم، وبهذا يشكّل الشريط الحدوديّ الممتد من جرابلس إلى إدلب بما فيه عفرين أهمية قصوى للحفاظ على خط تجاريّ غربي موازٍ لطريق الحرير الصينيّ، ولكن كيف ستؤثر العلاقات الأمريكيّة التركيّة على الطموح الغربيّ، في ظل انضمام تركيا إلى منظمة شنغهاي التي تأسست لمناهضة السيطرة الأمريكيّة على التجارة العالميّة، إضافة للوجود الروسيّ الذي يشكّل حلفاً اقتصاديّاً ثالثاً في المنطقة.
من المنظور الاقتصاديّ، أزمات المنطقة لن تنتهي على المدى القريب، نتيجة تضارب المصالح الاقتصاديّة بين القوى الكبرى والدول الإقليميّة، إضافة لظهور مشاكل أخرى تتعلق بالموارد غير المتجددة كالمياه الصالحة للشرب في المنطقة. معركة إعادة الإعمار في سوريا لم تبدأ بعد، ودمشق أعربت سابقاً في أكثر من مناسبة أنّ الأولوية الأولى لإعادة الإعمار ستكون لروسيا وإيران والصين، لكن هناك تنافس غربيّ وتركيّ أيضاً في هذا المجال، وبهذا تكون سوريا أمام معركة اقتصاديّة جديدة ضارية.