ساسة من خشب

رفيق ابراهيم –

ما نسمعه هذه الأيام من المجلس الوطنيّ الكرديّ وقادة الأحزاب المنضوية تحت اسمه، حول الاجتماع الذي عُقد مؤخّراً بالعاصمة السوريّة دمشق بين مجلس سوريا الديمقراطيّة والنظام السوريّ، بعد توجيهِ دعوةٍ رسميّةٍ من قبلِ النظامِ السوريّ إلى ممثلي الشمالِ السوريّ الحقيقيين، هو تأكيدُ على قوةٍ وليس على ضعف، إذ ليس متوقعاً تنازلُ النظام وتوجيه الدعوة وقد تقدّم ببعض المناطق، كما يتخيل هؤلاء الذين يكرّرون أسطوانة التبعيّة للنظام منذ بداية الأحداث حتى اليوم.
هنا يتبادر للذهن العديد من الأسئلة وأهمّها: لنفرض جدلاً أنَّ الإدارة الذاتيّة ومجلس سوريا الديمقراطيّة على علاقة مع النظام، إذاً لماذا تعاملت واشنطن ودول التحالف معهما؟! والكلّ يعلم أنّ هذه الدول تقف مع مطالب الشعب السوريّ المحقّة، فهل يعقل أنّ هؤلاء يقفون مع النظام السوري أيضاً؟؟ وهل الأمريكيون والأوروبيون بهذه السذاجة ليقدّموا الدعم للنظام عن طريق حلفائهم قسد، كما يزعم قادة المجلس الوطنيّ الكرديّ؟ أليست هذه الأقوال والشائعات المغرضة التي يروّجونها مطية ليركبها عليكو وبرو وشندي وغيرهم ليبرّؤوا من خلالها أنفسَهم، مما اقترفته أيديهم من أعمال تخدم أعداء القضية الكرديّة والوطن؟ وما معنى وجودهم وبقائهم في قلب تركيا وبجوار سلطانها الذي يتهدّد الوجود الكرديّ صباح مساء؟ وما معنى مباركتهم الاحتلالَ التركيّ لعفرين قلب روج آفا النابض؟ وما معنى وجودهم ضمن الائتلاف الذي مازال ينكر وجود الشعب الكرديّ بسوريا وجذوره التاريخيّة على أرضها؟ أليس هؤلاء هم من باعوا عفرين وقدّموها على طبقٍ من ذهب لأردوغان ومرتزقته المارقين الذين تمّ بيعهم بالمزاد العلنيّ، وتنازلوا عن شرفهم وأرضهم إرضاءً لمولاهم العثمانيّ؟
أما أنتم يا ساسة المجلس الوطنيّ، ألم تتعظوا من درس باشور واستفتائه، فقد كان ولي أمركم أردوغان أول رافضيه، لماذا (كلما دقّ الكوز بالجرة) تتهمون بالخيانة الشرفاء من بني جلدتكم ممن دافعوا عن كرامتكم وأرضكم، وأنتم من تناسبه هذه الصفة؟ ألم تكونوا أول اللاهثين وراء الحوار مع النظام الذي لم يعترف بكم حتى الآن ولا بوجودكم ولا ائتلافكم المعارض، وينعتكم بصفة الإرهاب مع داعميكم؟ فلم يكون حواركم مع النظام أمراً طبيعيّاً ولا مانع له، وحوار غيركم مستهجناً مستقبحاً موصوفاً بالخيانة؟ اتقوا الله أيها السياسيون المخضرمون يا أصحاب الكرافات الملونة والقلوب الكبيرة أيها المدافعون عن حقوق الشعب الكرديّ!! أسألكم بالله هل ستُحل القضية الكرديّة في إسطنبول وباراتها وحاناتها وفنادقها وملاهيها؟ إنّ من يريد أن يدافع عن قضيته العادلة فالميدان هنا على أرض الوطن الذي ينادي كلّ شريف ومناضل، ومن يكون قلبه على شعبه ووطنه لا يرتمي في أحضان أعدائه، ومن المعيب جداً نعتكم غير الاخرين بصفات لا ترتقي إلى مستوى الأحزاب ومسؤوليها.
ثم أنتم تقولون في مقابلاتكم ومؤتمراتكم وبياناتكم إنّ الإدارة الذاتيّة هي أمر واقع وهي لا تمثل إلا جزءاً يسيراً من الشعب الكرديّ، وأنّكم تملكون الشارع والأكثريّة معكم، إذاً لماذا لم تقوموا بما قاموا هم به؟! فإن كنتم صادقين في أقوالكم لكانت كلمة الفصل لكم في الشارع الكرديّ في روج آفا. ونجزم بل نتحداكم أن تقوموا بتحريك شارع واحد من شوارع قامشلو كمثال، وهذه الأكاذيب والخزعبلات التي تنشرونها، هي دليلُ ضعف وإفلاس وعدم إحساس بالمسؤوليّة التاريخيّة أمام الشعب الكرديّ، الذي بات يعرف ألاعيبكم وتواطؤكم ضده.
لعل أخطاء ارتكبت من هيئات ومؤسسات الإدارة الذاتيّة ببعض المفاصل، وهي عادية بالقياس إلى تجربتها الفتية، إذ قدّمت الكثير في جميع المجالات في فترة وجيزة من عمرها، وفي ظلِّ تحديات كبيرة وقفت عائقاً أمام تقدّمها. وفي الحقيقة قامت الإدارة بأعمال مشهودة، ومن أهمها توفير الأمن وحماية مناطقنا من الإرهاب، ولولا دراستها الواقعيّة وتحضيرها الجيد لمثل هذا الأمر، وإحاطتها وإدراكها للمخاطر التي كانت تهددنا لتعرّضت باقي مناطقنا لاحتلال الإرهابيين، وجرى فيها ما جرى للمدن والمناطق السوريّة الأخرى كالرقة وحلب وديرالزور وغيرها، ولكن ماذا عمن أقرّ بمشاركة المحتل والمرتزقة باحتلال عفرين؟!
لطالما أنتم يا أصحاب الخبرة والمفهوميّة تخافون لهذه الدرجة على مصير الكرد فلِمَ إصرارُكم على البقاءِ في الائتلاف، هذا الجسم المريض بداء السرطان والذي لم يعد مقبولاً، ولم يعد له أيّ معنى بعد تسليمه المدن السوريّة الواحدة تباعاً للنظام هذا أولاً، وثانياً الأبواب في روجا آفا مفتوحة ولم تغلق يوماً في وجهكم؟ ونقول إن كنتم فعلاً كما تدعون لوحدة الصف الكرديّ ومع الحوار، إذاً تعالوا فالقلوب مفتوحة والآذان صاغية، ولكن هل أنتم مستعدون للتخلّي عن مصالحكم الشخصيّة وامتيازاتكم؟ والإجابة عندكم يا أصحاب السيادة.