امرأة مُتحرّرة

هيفا حيدر حسن –

يفترض التوصل إلى المعرفة الخالصة، وإدراك الأمور في الحياة، والوقوف عليها إلى امتلاك الإنسان هامشاً من الحرية التي تمكنه من ذلك، وتدفع به إلى أن يتمكن من متابعة طريقه في الحياة بشكل إيجابي، وبعيد كلما أمكن عن السلبية، والوقوع في الأخطاء، التي قد يدفع ثمنها غالياً في بعض الأحيان، وتلك الحرية لا تأتي إلا عبر آليات كثيرة تفتح المسارب ليكتسبها المرء مع مرور الزمن.

 وتبدأ الخطوة الأولى من المجتمع؛ فالمجتمع السوي هو الذي يخلق أناساً أسوياء، بعيدين عن الإشكاليات التي تعترض مسيرته، إضافة إلى ضرورة تكاتف كافة المؤسسات المجتمعية في سبيل ذلك، حتى يخلق جيل جديد قادر على تفهم ما حوله، وما يطلبه منه مَنْ حوله، ناهيك عن الحاجة الملحة إلى إعطاء الطرف الثاني في المجتمع حقه، وهو المرأة.

وأن تكون المرأة متحررة هو أن تكون مستقلة فكرياً، وينبغي عليها التخلص من كل القيود التي فرضت عليها ولازمتها عبر العصور، وتسعى للمطالبة بحرية التفكير والتصرف والاختيار، وتُصرُّ على أنها قادرة على اتخاذ القرار وتحمّل مسؤوليته، لتساهم وتبادر وتثبت وجودها، ومصطلح التحرر لدى بعض العقول يعني الابتذال، والابتعاد عن الأخلاق، ومنح جسدها لأي رجل دون رادع، فمنظورهم للتحرر مرتبط بالجسد أكثر من ارتباطه بالأفكار، والكثير من الأمور التي لا تمت للتحرر بصلة، ويتحاشون الارتباط بامرأة متحررة، بينما حقيقة رغبة التحرر هي تقويم هذا المفهوم نفسه لدى الكثيرين، وحيازة المرأة للجام نفسها وبالتالي نيل مكانتها المناسبة في المجتمع.

والمرأة في أذهان المجتمعات الذكورية يجب أن تبقى تابعة، حيث ترى في حرمانها من حريتها وسيلة لحفظها وحمايتها من ارتكاب الفواحش، فهم لا يُقدرِون قيمتها الحقيقية، ولا تعتبر وجودها سوى جسد، وبالتالي هي ليست سوى سلعة للعبودية بنظرهم، فمثل هذه العقليات تغلق الباب أمام إمكانيات المرأة للقيام بدورها الطبيعي الإيجابي، وبالتالي تحد التطور والتغيير في المجتمع.

إذا على المرأة المطالبة بحقها في الحرية، ويحتاج ذلك إلى الإرادة والتصميم، والعمل المشترك بين الجنسين، دون تمييز أو تفرقة، بعيداً عن جرائم السبي والبيع والاغتصاب بحجة أنهن من قومية معينة ومختلفة، وعادات مجحفة بالإنسانية وتعتبر تلك العادات أحد أسباب عرقلة التحرر؛ لذا يجب عدم اتباعها دون دراستها وتحليلها بوعي منطقي وبالتالي غربلتها وتخطي كل شيء يؤثر سلباً على المجتمع منها؛ فليس كل ما هو معتاد في المجتمع يكون صحيحاً، والحفاظ على ما هو إيجابي والتطلع لطرح الجديد الذي يساهم في تعزيز تفتح وتقدم الفرد والمجتمع معاً.

فالمرأة المتحررة تملك إرادة وتؤمن بأنه لها الحق في أن تتحمل مسؤولية أمام نفسها وأمام المجتمع، قادرة على قلب المعايير المتخلفة من أجل خلق بيئة يقظة فكرياً، تسودها العلاقات المبنية على تبادل الاحترام بين أفرادها، وطرح الأفكار ومناقشة المسائل المتعلقة بالحياة اليومية بوعي هادف وأخلاق إنسانية، وهذا بالطبع يُنمي الإدراك لدى الفرد الذي هو المؤشر على تحرر أو تخلف المجتمع.

فالتحرر سلوك ومبدأ وقيم وعليه يجب تحاشي المفهوم الضيق والخاطئ له، وعدم الخلط بينه وبين التسيب الذي ينشأ من الجهل.