المرأة في الأغنية الكردية

هيفا حيدر حسن –

الأغنية الكردية عريقة عراقة الكرد أنفسهم في التاريخ، كما يعد الشعب الكردي شعباً محباً للأغاني؛ حيث يعتبرها أداة التعبير عما يجول في إحساسه وشعوره، ويتمسك بإرثه الفني؛ كونه الذاكرة القومية التي تحمي هويته وثقافته من الضياع والزوال.

على الرغم من فرض قيود على اللغة الكردية في الكثير من المناطق التي يقطنها الكرد لدرجة أن التحدث بها كان محظوراً، بل حتى استحواذ شريط للموسيقا الكردية كان يعتبر جريمة كبيرة. إلا أن الكرد استطاعوا الحفاظ على تقاليدهم وتراثهم عبر الأغنية الملحمية عبر الأجيال.

وقد لعب المغنون والمغنيات الكرد دوراً كبيراً في نشر قصص وتاريخ وروايات الشعب الكردي، بما في ذلك الأساطير والملاحم القديمة، ونقلها عبر مختلف العصور، تلك الملاحم (حكايات، أحداث) تحفل بمواضيع متنوعة عن بطولات وانكسارات الكرد، قصص غرامية شعبية، حزن، فراق، حبّ غير محقق، والعديد منها كشفت عن الحلم الكردي متمثلاً بالمرأة المثالية بصورة الوطن المكبل بأغلال الغبن والاستبداد.

وقد أشاد جميع المثقفين والمستشرقين الذين نقبوا في الفلكلور الكردي، بغناه، فعندما نتمعن في الأغاني، نرى أن المرأة الكردية نالت فيه مكانة مرموقة، كونها أكثر انغماساً في الحياة الاجتماعية من المجتمعات الأخرى، حيث تحدّت جميع المصاعب التي اعترضتها، وقد استنكرت ظلم وجور الآغاوات، وعلا صوت احتجاجها؛ إلا أن الضغوطات الاجتماعية والسياسية سدّت سبل الخلاص أمامها، بينما هي بدورها لم تستسلم لتلك العقبات، وأدانتها عن طريق الأغاني والملاحم، وهذا ما يؤكده أغلب الباحثين في هذا المجال.

حيث كانت تقام السهرات في الليالي الطويلة؛ والتي اعتبرت بمثابة جلسات فنية ثقافية لتبادل القصص وبطولات الأجداد، والأغاني التي تنشد الحياة؛ رغم الشقاء والواقع المأساوي في ظل المستعمرين، بأصوات مغنّين ومغنيات حفظوها عن مغنّين آخرين بنبرات عذبة قوية تملأ الليل، تأخذ المتلقي بإيقاعات جبلية مبتكرة؛ حيث يلمس الفرح والعشق للأرض والوطن رغم النكبات والأهوال والموت المستمر بمداهمة المكان والزمان الكرديين؛ ليحلق عبر الآفاق الواسعة متشبثة بالوجود، وهذه الحكايات يفسح لها مجال لتسمع وتتداول بين أبناء الشعب؛ كونها تمنح معنى للوجود الكردي.

والجدير بالذكر أن للأغنية الكردية دوراً كبيراً في الحياة الفنية عموماً؛ لذا فإنه من المؤسف أن تبقى مقتصرة على بعض المستمعين دون الآخرين؛ فالفن بمجمله يعتبر نشاطاً إنسانياً يغرس قيم الخير والحق في المجتمع؛ فيمدح الأبطال، ويساهم في عملية التوجيه والإرشاد.