No Result
View All Result
المشاهدات 3
هوزان زبير-
ماذا لو ظهرت حركة ثائرة حتى لو اتسمت بطابع اشتراكي ويساري ضد نظام دولة مناوئة للنظام الرأسمالي، أو ضد سياسة نظام يواجه تهديد ووعيد القطب الغربي، هل سيكون الأخير مستعد لتقديم الدعم لهذا الحراك، بالتأكيد نعم، فهذا بالنسبة لها فرصة على طبق من ذهب، لكن بالمقابل يجب الأخذ بعين الاعتبار تداعيات هذا التوافق بين الداعم والمدعوم، فالمسألة لا تتعلق باستهداف نظام ما بقدر ما هي تلاقي المصالح بين ثورة داخلية نابعة عن فكر حر ومستقل قد تكون ربما من أشرس الثورات التي تناهض الرأسمالية، وبين غاية في نفس الأنظمة الرأسمالية والصناعية الكبرى، لأنه سرعان ما تتبدل المصالح وتبقى الثورة هي المستَهدَف وليست الشريك.
إذاً سيصعب التخلص من دعم فاسد تقدمه دول عظمى لأي ثورة، وعلى عكس ذلك يكمن تعريف الثورة ذات الإرادة الحرة التي تبقى تحافظ على مسارها الفكري المستقل وعلى الأهداف التي خطّت لأجل تحقيقها دون خضوعها لأجندة خارجية بشكل مباشر أو غير مباشر.
ففي الثورة السورية نموذجاً ظهرت هذه التجربة بأشكالها لتغير مسارها من خلال شرخها إلى جهات متباينة إحداها تهدف لتطبيق كل ما يملى عليها من طرف خارجي مستفيد، علماً أنها ستبقى تحمل الشعارات الوطنية الزائفة وتمارس سياسية تجميل الداعم، أما الجهة الحرة ستتعرض لشتى وسائل الإقصاء والتبديد لإبقائها في موضع لا حول ولا قوة باعتبارها لا تناسبها أية مصلحة دولية متداخلة، ولكن احتمالات اندثار الجهة الثانية يعتمد على مستوى قوة فكر ونهج الثورة وعلى أي مدى استطاعت التأثير في كيان الفرد وبالتالي المجتمع الذي يعتقد أنه بحاجة فعلية إلى مثل ذلك الفكر، فحينها ستبقى تحافظ على جوهرها مهما كلفها ذلك من تضحية بشرية ومادية وزمن، ولعل حزب العمال الكردستاني النموذج الأبرز لهذا الطرح الأخير.
حزب العمال الكردستاني مثال حي منذ أكثر من أربعة عقود وهي تخوض النضالين، فمن جهة تقاوم كل الوسائل الرامية إلى تشتيته وتحريف مساره بهدف إخضاعه تحت جناح جهة دولية وجعلها مجرد ورقة ضغط أو مادة للمساومة بها بين القوى المهيمنة المتخاصمة على مستوى العالم، ومن جهة أخرى تناضل لتحقيق تطلعات عصرية ذات مفاهيم معمّرة لمدى مستقبلي بعيد يمكن لمختلف الشعوب الاستفادة منها، ورغم كل القوة المستخدمة ضد ثورة الحزب إلا أنها ظلت تتسع فكرياً لتخترق الحدود الكردستانية والشرق أوسطية وكذلك العالم، لذا فهو جدير بصفة “الثورة الفكرية”.
ولأن شمال وشرق سوريا مؤمنة بفلسفة القائد الكردستاني عبدالله أوجلان والتي لا تترادف مع الرغبة والشراهة الرأسمالية فقد سعى الأخير إلى تحجيمه بل وتبديده، واستمر هذا حتى لو كان هذ الحزب يستهدف النظام الإيراني وليس التركي، (ذكرنا إيران كمثال باعتبار أن العالم الغربي يدّعي مواجهة إيران وأطماعها)، إذاً صمت العالم حيال التدخل التركي باعتباره حليف الناتو في شمال وشرق سوريا، هو لأن ثورة المنطقة تحمل مبادئ مغايرة للأسس التي بُنيت عليها الدول الكبرى على حساب دماء الشعوب، كالولايات الأمريكية المتحدة نموذجاً، وهذا ما يعتبر أحد أبرز عوامل التخاذل الأمريكي في شمال وشرق سوريا، ومحاولة جعل كل التضحيات التي بذلها أبناء تلك المنطقة قرباناً لمصالحها المتجذرة الاستراتيجية مع تركيا.
مغزى ما سبق قراءته هو أن الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية لم يكن نابعاً من علاقة استراتيجية طويلة الأمد، فالاختلاف جذري ولا يتطابق جوهرياً، بالرغم من أن الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية كانت وسيلة مادية لانتصارها العسكري على الإرهاب الذي قيل أنه هدد العالم، إلا أنه في الحقيقة دعمٌ لمصلحتها ونفوذها واقتصادها وحدود هيمنتها وليس لمصلحة الثورة التي خاضها الشعب في المنطقة.
حين يتعرض كيان شمال وشرق سوريا لهجوم تركي أمام أنظار العالم وصمته، يعني أن هذا الكيان الثوري لازال يحافظ على مبادئه الحرة، فالدول المتسابقة في المضمار السوري تريد لثورة روج آفا ذات النهاية على غرار ما فعلته بالثورة السورية، وهو تجريدها من مضمونها القائمة عليه الآن، وجعلها أداة وعصا للتهديد والمقايضات عاجلاً أم آجلاً. أي أن شمال وشرق سوريا اليوم بين نارين، أما أن تسلم قرارها لدول المصالح فتتحول لجهة انتداب وتخسر جوهرها، أو أن تحافظ على إرادتها فتبقى بالمقابل عرضة للإقصاء، وهذا هو السبب الآخر للمماطلة في دعوة ممثلي شمال وشرق سوريا لأي محفل يخص الشأن السوري.
No Result
View All Result