No Result
View All Result
المشاهدات 0
رستم عبدو
يشكِّل الوعي الثقافي- الأثري عاملاً أساسياً وحيوياً في الحفاظ على الممتلكات الثقافية وحمايتها في جميع الظروف الحياتية، لاسيما خلال الحروب والنزاعات المسلحة التي غالباً ما تتسبّب بتدمير وفقدان التراث الإنساني، الذي تشكّل على مرّ العصور والذي يعتبر بمثابة الذاكرة الجماعية للبشرية كلّها.
أثبتت التجارب والأحداث، أن غياب الوعي الثقافي- الأثري عن العديد من الشرائح المدنية أو العسكرية من المواطنين في الكثير من البلدان التي قامت فيها حضارات عريقة ومتميزة كمصر والهند والعراق واليمن وسوريا، كان السبب الرئيس لخسارة العديد من هذه الممتلكات الثقافية.
ما حصل في العراق مؤخراً خلال الحرب العراقية- الأمريكية في عام 2003م، يعزز هذه النظرية, فالعراق التي تمتلك خزاناً ثقافياً ضخماً، بما يحتويه من مواقع أثرية ومعالم تاريخية وحضارية، جعلها تنفرد عن باقي دول العالم بهذه الخاصية, لكن غياب الوعي الثقافي- الأثري لدى القسم الأعظم من المجتمع العراقي، على الأخص لدى أبناء القرى والأرياف، ساهم بشكل كبير في كل ما حصل بحقها من عمليات تخريب وتدمير طالت الكثير من مواقعها الأثرية، كمدينة بابل القديمة ومن ثم مدينة الموصل التاريخية، بالإضافة إلى عمليات التخريب والنهب والسلب التي طالت عشرات التلال الأثرية الهامة هناك، وكذلك السرقات التي طالت متاحفها كمتحف الموصل ومتحف بغداد, الذي يعد واحداً من أهم خمسة متاحف بالعالم.
من المؤسف حقاً أن دولة كالعراق, وهي التي كانت السبَّاقة في اختراع الكتابة وتطوير الفكر وبناء الحضارات قبل غيرها من حضارات الشرق والعالم بآلاف السنين, أن تفقد هذا الإرث المتميز بسبب جهل أبنائها بقيمتها العلمية والتاريخية.
المشهد السوري لم يكن بأفضل حال من العراق، لاسيما بعد بدء الأزمة فيها العام 2011م, فأمهات المواقع الأثرية فيها (كماري وأفاميا وتدمر وإيبلا ودورا أوربوس) ناهيك عن العديد من متاحفها ومبانيها التاريخية، ذهبت ضحية جهل أبنائها بأهمية إرثها الثقافي.
النزاعات المسلحة وغياب حالة الاستقرار في معظم أراضيها وضعف عامل الوعي الثقافي- الأثري لدى عموم السوريين وعدم درايتهم بالقيمة الحضارية والإنسانية لتلك المواقع والمعالم التاريخية كان أحد الأسباب في خسارتهم لهذه الثروة.
غياب الوعي الثقافي – الأثري لدى الشرائح السورية لاسيما في المناطق التي تتميز بغناها بالثروة الثقافية في سوريا كارثة حقيقية، ومن الطبيعي أن يولد هذا الجهل بقيمة هكذا ثروة، ضعفاً في الشعور بالمسؤولية التي تترتب على هذه الشرائح، وبالتالي قد يدفع الغالبية من هذه الشرائح -بشكل لا إرادي- إلى المساهمة في تدمير ثقافته.
المئات من التلال الأثرية في سوريا، في المناطق التي خضعت لسيطرة المتطرفين كما يُطلق عليهم بـ”جبهة النصرة” و”أحرار الشام” و”أمناء الرقة” وتنظيم “الدولة الإسلامية”, كما في الرقة ودير الزور والحسكة، تعرضت للتخريب والسرقة والتدمير من خلال عمليات التنقيب غير الشرعية، التي صارت تحديداً بيد أبناء تلك المناطق من السكان المحليين، وهم بذلك يتحملون مسؤولية تلك الأفعال حتى وإن كانت هناك إغراءات من المرتزقة لهؤلاء السكان من أجل القيام بتلك الأعمال بغية تحقيق المنفعة المادية أو السياسية أو العقائدية لتلك الفصائل العسكرية.
غياب نظام حماية الممتلكات الثقافية من جانب المؤسسات التي من شأنها العمل على نشر الوعي الثقافي- الأثري كمؤسسة الإعلام والثقافة والتربية والتعليم والسياحة، بالإضافة إلى غياب البرامج التوعوية التي تعرف بأهمية وقيمة الممتلكات الثقافية وأهمية المحافظة عليها من قبل هذه المؤسسات، ناهيك عن غياب الجامعات المتخصصة والمتاحف.. غياب كل ذلك من شأنه أن يعزِّز من ثقافة الجهل واللامبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية حيال أهمية الثروة الثقافية التي تجسد هوية المجتمعات.
No Result
View All Result