سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

“البارون إمبان”…  قصر لا تغيب عنه الشمس

وصل البارون “إمبان” إلى القاهرة، ولم تمضِ أيام حتى عشق الرجل مصر لدرجة الجنون واتخذ قراراً مصيرياً بالبقاء فيها حتى وفاته. وكتب في وصيته أن يُدفن في تراب مصر حتى ولو وافته المنية خارجها. وكان طبيعياً على من اتخذ مثل هذا القرار أن يبحث له عن مقر إقامة دائم في المكان الذي أحبه. وكان أغرب ما في الأمر هو اختيار البارون “إمبان” لمكان في الصحراء، بالقرب من القاهرة.
فكرة بناء القصر:
ترجع فكرة بناء القصر إلى البارون “إمبان” الذي عرض على الحكومة المصرية فكرة إنشاء حي في الصحراء شرق القاهرة واختار له اسم “هليوبوليس” أي مدينة الشمس واشترى البارون الفدان بجنيه واحد فقط، حيث أن المنطقة كانت تفتقر إلى المرافق والمواصلات والخدمات، وحتى يستطيع البارون جذب الناس إلى ضاحيته الجديدة فكر في إنشاء مترو ما زال يعمل حتى الآن وأخذ اسم المدينة مترو مصر الجديدة إذ كلف المهندس البلجيكي أندريه برشلو الذي كان يعمل في ذلك الوقت مع شركة مترو باريس بإنشاء خط مترو يربط الحي أو المدينة الجديدة بالقاهرة، كما بدأ في إقامة المنازل على الطراز البلجيكي الكلاسيكي بالإضافة إلى مساحات كبيرة تضم الحدائق الرائعة، وبنى فندقاً ضخماً هو فندق هليوبوليس القديم الذي ضم مؤخراً إلى قصور الرئاسة بمصر.
وصف القصر:
قرر البارون إقامة قصر، فكان قصراً أسطورياً، وصُمم بحيث لا تغيب عنه الشمس حيث تدخل جميع حجراته وردهاته، وهو من أفخم القصور الموجودة في مصر على الإطلاق. وقد صُمم القصر بطريقة تجعل الشمس لا تغيب عن حجراته وردهاته أبداً، واستخدم في بنائه المرمر والرخام الإيطالي والزجاج البلجيكي البلوري الذي يرى من في الداخل كل من في الخارج وبه برج يدور على قاعدة متحركة دورة كاملة كل ساعة ليتيح لمن يجلس به أن يشاهد ما حوله في جميع الاتجاهات، وكان الطابق الأخير من القصر هو المكان المفضل للبارون إمبان ليتناول الشاي به وقت الغروب وكان حول القصر حديقة فناء؛ بها زهور ونباتات نادرة كما يوجد بالقصر نفق يصل بين القصر والكنيسة العريقة “كنيسة  البازيليك” الموجودة حتى الآن.
معظم التماثيل الموجودة بالقصر جلبها البارون من الهند، كما يوجد عدد من التماثيل الأوربية الطراز، المصنوعة من الرخام الأبيض، وهي ذات ملامح رومانية تشبه فرسان العصرين اليوناني والروماني.
كشفت أبحاث أحد المتخصصين في مجال الفنون التشكيلية عن أصول هذه التماثيل وأهميتها الكبيرة، كما كشف عن بعض التماثيل التي كانت موجودة قديماً بالقصر والتي لم تعد موجودة حالياً بالإضافة إلى تماثيل الراقصات يؤدين حركات تشبه حركات راقصات الباليه بالإضافة إلى تماثيل الأفيال المنتشرة على مدرجات القصر وفي شرفات أبوابه مرسومة بزخارف الإغريق القديمة دقيقة الصنع وهذا جعل لها منظراً في غاية الجمال
القصر بعد وفاة البارون:
توفي البارون إمبان سنة 1929ومنذ هذا التاريخ تعرض القصر لخطر الإهمال لسنوات طويلة، وتحولت حدائقه التي كانت غناء يوماً ما إلى خراب، وأصبح القصر مهجوراً. تعرض القصر بعد ذلك لخطر الإهمال سنوات طويلة، والذي تحولت فيها حدائقه إلى خرائب وتشتت جهود ورثته ومن حاول شراء القصر واستثماره، إلي أن اتخذت الحكومة المصرية قراراً بضمه إلى قطاع السياحة وهيئة الآثار المصرية اللتين باشرتا عملية الإعمار والترميم فيه على أمل تحويله إلى متحف أو أحد قصور الرئاسة المصرية.
لم يفتح القصر إلا مرات معدودة المرة الأولى عندما وضعت الحراسة على أموال البلجيكيين في مصر عام 1961، ودخلت لجان الحراسة لجرد محتوياته، والمرة الثانية عندما دخله الممثل المصري حسين فهمي والمطربة شادية لتصوير فيلم الهارب، والمرة الثالثة عند تصوير أغنية للمطرب محمد الحلو بطريقة الفيديو كليب أما الرابعة فقد تمت بطريقة غير شرعية إذ أن بسبب إغلاقه المستمر نسج الناس حوله الكثير من القصص الخيالية ومنها أنه صار مأوى للشياطين، حيث استهدفه شباب لإقامة حفلة صاخبة انتهت بقضية جنائية شغلت الرأي العام المصري في عام 1997.
قصر البارون وجماعة عبدة الشيطان:
ودفعت تلك الأجواء الغامضة التي أحاطت بالقصر المهجور جماعات من الشبان المصريين في منتصف عام 1997 في حادثة شهيرة إلى التسلل إلى القصر ليلاً، وإقامة حفلات صاخبة، إذ كانوا يرقصون ويغنون على أنغام موسيقا صاخبة حيث ألقت الشرطة المصرية القبض عليهم لتكون أول قضية من نوعها، وهي ما عرفت بقضية “عبدة الشيطان” وهذا هو سبب الأساطير التي ترددت من قبل الجيران حول مشاهدتهم أضواء ساطعة، وصخباً وضجيجاً ورقصاً كل ليلة داخل القصر وموسيقى تنبعث منه.