سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

اقتصاد منبج.. مقاربات عدة في زمن التأهيل والإصلاحات

 تقرير/ آزاد كردي    

روناهي/ منبج ـ لا شك أن ما تشهده مدينة منبج وريفها من نهضة اقتصادية تنموية في كافة المجالات جديرة بالمتابعة والاهتمام، طبعاً إذا أخذنا قصر المدة الزمنية التي خرجت بها من الحرب مع داعش أكثر إصراراً وقوة على السير في خطى البناء والتطوير.
تتسارع عجلة الإنتاج بما في هذا القطاع الحيوي عبر المنتجات المحلية التي تصب في مصلحة المواطن. لكن؛ ما لا يمكن إغفاله ارتفاع الدولار وما سببه من أزمات نقدية تضرر على أثرها المواطن مسببة حالة من الركود الاقتصادي انعكس بالسلب في هذه الفترة من هذا العام. كما شهد أيضاً التحول والانتقال الديمقراطي إلى النظام التعاوني مشكلاً أداة شديدة لإزاحة الهيمنة الاحتكارية التي فرضتها الرأسمالية؛ عبر العديد من المشاريع التعاونية وفق الاكتتاب بالأسهم؛ مما ساعد على خلق اقتصاديات صغيرة ناشئة ناجحة وتحريرها من الربح الأعظمي المستفيد منه فرداً واحداً، كما كان للمرأة دوراً في عملية التطوير والإنماء عبر إعطائهن الفرصة لبذل طاقاتهن وإبداعهن الخلاق في تغيير النهج الذكوري الوارث لكافة الأنشطة الاقتصادية بدءاً من تغيير الذهنية التي فرضها الرجل؛ كضرورة للسيطرة على ذهنية المرأة وما حفل المجتمع من منتجات من صنع أنامل يديها. إن أكبر إنجازات هذا العام؛ يكمن في استيعاب كافة التجار والصناعيين والمزارعين بقصد تحقيق استدامة لعجلة الاقتصاد بحيث تحقق الفائدة للطرفين التاجر والمواطن.
في المعنى الصحيح لتعريب الثورة الاقتصادية
 تتجه مدينة منبج وريفها في آخر هذا العام نحو السير بالتنمية الاقتصادية إلى مستوى قياسي غير مسبوق ونهضة شاملة لكثير من الجوانب؛ فحققت بذلك النجاح والتقدم. أولت الإدارة المدنية بمنبج الاقتصاد أهمية كبيرة دون سائر القطاعات الأخرى باعتباره يشكل مناخاً قوياً لا بد منه في حيالة الأهالي ولمزاولة المستثمر نشاطه الاقتصادي بكل سهولة ويسر بعد أن تهيأت البيئة المناسبة والعوامل المساعدة له لإقامة مشاريع متنوعة يحصد نتائجها التاجر والمجتمع معاً.
فالاقتصاد لم يكن لينجح بهذا الزخم والرتم لولا عوامل أساسية أسهمت مضموناً وشكلاً في تطوير النشاط الاقتصادي بتقاطعها في بوتقة واحدة من أجل زيادة الإنتاج ورفد السوق بالمنتج المحلي.
وأولى هذه العوامل، استمرارية ضبط الوضع الأمني باعتبار أنه لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد ولا سيما وأن خلايا داعش تنشط كثيراً وتحاول إعادة بناء ذاتها من جديد. لكن؛ إيلاء الإدارة المدنية الديمقراطية في مدينة منبج وريفها لمسألة الأمن والأمان والاستقرار قد أعطى إيحاء للمستثمر التفكير في إنشاء مشاريع تنموية متنوعة وجذب للنشاط الاقتصادي، وهذا الأمر لا يمكن ملاحظته في مناطق أخرى من سوريا.
وثانيهما التحول الاقتصادي الديمقراطي للسوق الحرة الذي خلا من القيود الصارمة التي تحد من ممارسة الأنشطة والفعاليات واستطاعت أن تخلق فسحة اقتصادية نشطة من التداول للاقتصاد التشاركي مغايراً للمنظور للاقتصاد الاشتراكي في السابق، فلم يفي بضرورة متطلبات عملية النمو والتطوير إذ اقتصرت في ذلك الوقت بعملها على القطاع العام فقط بينما احتكرت الحداثة الرأسمالية الصناعوية الحراك الاقتصادي بشريحة معينة من رؤوس الأموال الكبيرة.
بينما إذا نظرنا من زاوية أخرى للاقتصاد المجتمعي الجديد، فقد أتاح اتساعاً في المدلول الاقتصادي العميق، بحيث يعود مفهوم الاقتصاد إلى حضنه الأول، حينما كان حاضنه المجتمع الطبيعي. وثالثهما التركيز على خلق بيئة استثمارية واسعة غير محدودة جاذبة، لرؤوس الأموال دون وجود عراقيل وعقبات تعيق مزاولة النشاط الاقتصادي، بل يترجم إلى عكس ذلك إنشاء العديد من المنشآت الصناعية والتجارية في مدينة منبج وريفها وتسهيل الحصول على تراخيصها دون اللجوء إلى البيروقراطية وجذورها المحفوفة بالفشل سابقاً.
إن النظر في الاقتصاد الجديد المتبع حالياً، فإنه لا مجال للمضاربة وإنما منافسة حقيقية، فمثلاً ما تشهده أصناف الأدوية من ارتفاع جنوني للأسعار، فباستطاعة الصيدلية الزراعية مثلاً تخفيض الأسعار إلى النصف في السوق، وهذا من شأنه تحقيق ديمومة وشمولية للتجار في زيادة كم هائل من الأرباح مدفوعاً بتحقيق المصلحة المشتركة له وللمواطن، وهذا ما لا يخفى أثره في فتح فرص عمل كبيرة عبر هذه التشاركية.
الحراك الاقتصادي، تجدد في المعاني والمفاهيم
حين نتحدث عن القيمة الإنتاجية لكافة الفعاليات الاقتصادية مهما كان شكلها ودرجة نوعها فليس هناك من أطر محددة يمكن الوقوف على نتائجها بشكل دقيق يمكن حصر أبعادها ولا سيما ما تشهده مدينة منبج من استقرار ملحوظ في مختلف المعاملات التجارية في هذا العام؛ وبالتالي لا يمكن الحصول على نتائج مثبتة خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الدور الرئيس لذلك النمو، وهي الأدوات والتسهيلات المقدمة من لجنة الاقتصاد ما من شأنه حماية التاجر بالدرجة الأولى، وعلى هذا الأساس منحت غرفة التجارة والصناعة؛ التابعة للجنة الاقتصاد الكثير من التسهيلات في إنجاز المعاملات التجارية، بدءاً من جلب المنتج من الخارج، وحتى تأمين دخوله إلى المعابر، ولهذا الغرض تم إصدار بطاقات تجارية برسم 50 ألف، تمكن التاجر مزاولة نشاطه التجاري بكل حرية.
وفي مجال الطاقة، اعتمدت لجنة المحروقات؛ التابعة لسادكوب نظام البطاقة بالتنسيق مع إدارة الخطوط والمجالس لتزويد المواطنين بمادة التدفئة، ويتم تسليم مادة التدفئة؛ لمنزل المواطن عبر صهاريج مخصصة لهذا الغرض، وبسعر 17500 ل.س، مع العلم أن مستحقات المواطن لهذا العام تبلغ 400 لتر لكل عائلة.
وفي مجال طاقة الكهرباء، فقد أنجزت شركة الكهرباء التابعة للجنة الاقتصاد عدة مشاريع خدمية عملاقة؛ كتأمين كبل مقطع 300 المسؤول عن تغذية منبج وريفها بالكامل، ووضعه بالخدمة، وبلغت كلفة شرائه قرابة 35 مليون ل.س، كما واستبدلت عدة محولّات، كانت قد احترقت بفعل الخدمة الطويلة، والحمولة الزائدة، بمحولّات أخرى جديدة، كالتي مستخدمة حالياً بسد تشرين؛ مما ظهر أثره في استدامة كاملة للكهرباء على مدار اليوم.
وفي مجال الزراعة الذي يعد الدعامة الأساسية لاقتصاد المدينة؛ باعتبار مساهمته بتشغيل 26% من مجموع اليد العاملة، فعملت مؤسسة الزراعة في منبج، التابعة للجنة الاقتصاد على فتح باب الترخيص؛ للموسم الصيفي والشتوي وبموجبه منحت المؤسسة المزارع؛ مستلزمات الإنتاج الزراعي للأراضي الزراعية، من أسمدة بنوعيها اليوريا، والمركب، إضافة إلى سوبر فوسفات، فضلاً عن تقديم المحروقات اللازمة للمزارع.
كما عملت مؤسسة الثروة الحيوانية التابعة لمؤسسة الزراعة على زيادة الإنتاجية لمعظم أنواع المواشي بقصد الحفاظ على الثروة الحيوانية، عبر إتباع إجراءات الإرشاد الحيواني الموزعة بأسلوب البروشور التوعوي أيضاً، إضافة إلى فتح باب التراخيص؛ لمربي الثروة الحيوانية. وهذه الرخص سنوية، ويتم من خلالها توزيع مادة النخالة؛ بأسعار مخفضة، فقد بلغ عدد تراخيص الأغنام 24548 رخصة، وتراخيص الأبقار 540 رخصة أيضاً.
وفي مجال زراعة القمح والشعير، دعم مركز الشراء التابع لمركز التطوير المجتمع الزراعي بالبذار وحتى جني المحصول، ومنح القروض الزراعية أيضاً.
أما بالنسبة للحراج، فقامت مؤسسة الحراج التابعة للجنة الاقتصاد بتجهيز قسم للضابطة الحراجية، وتتألف هذه الضابطة من عاملين بصفة مراقب للثروة الحراجية والاطلاع على آخر مستلزماتها من حماية وغيرها، إضافة إلى إنجاز مشتل منبج المركزي الذي يضم قرابة 45900 غرسة؛ من أشجار كازورينا، وصنوبر، وسرو، وعفص شرقي، ونخيل، إضافة للأشجار المثمرة، ونباتات الزينة.
وفي مجال قطاع الصناعات التحويلية، شهدت تطوراً ملحوظاً عبر إنشاء عدة معامل لأكياس النايلون، إضافة إلى معامل لإنتاج معامل خراطيم المياه، ومعامل لإنتاج البطاريات والأعلاف والمطاحن وغيرها، ومن المشاريع العملاقة إعادة الحياة للبنية التحتية للطرقات، فباشرت بلدية الشعب بأعمال تعبيد الطرقات والتزفيت التي شملت كافة الشوارع الرئيسية للمدينة، حيث قدرت القيمة الإجمالية للمشروع لمادة الزفت بـ 50 ألف م3، ووزعت بـ 35 ألف م3 لطرقات المدينة، و15 ألف م3 للريف.
ولعل من أبرز نشاطات هذا العام مشاركة المرأة بعدد من المشاريع الصغيرة التنموية من شأنها الاستفادة من طاقاتها المتجددة وتوفير فرصاً للعمل؛ كافتتاح ورشة خياطة كبيرة، سبق إن افتتحت للعمل لكنها فيما بعد توقفت لسبب ما، وضمت عدداً من النساء العاملات بهذا الميدان. كما كان لإنشاء بيت المؤونة ومحل للحلاقة النسائية ومطاعم وغيرها أثراً بالغاً في دخول المرأة معترك العمل ومنافسة الرجل في فرص العمل وزيادة الإنتاجية كذلك.
أفول نماذج اقتصادية وولادة أخرى
تتضح معالم التطوير والتنمية في أي مجال عبر مقارنة المعطيات بالنتائج في مراحل محددة وبالنظر إليها ومقارنتها في فترات سابقة يمكن على أساسها تحصيل مدى رؤية واقعية هذا التطور عبر مقاربة استنتاجية بين مشهدين اقتصاديين متناقضين، فالمشهد الاقتصادي الأول إبان حقبة داعش، إذ اتسم بالسواد بكل شيء، وتوقفت الحياة معها بكل مفاصلها عن الحياة والسقوط إلى الحضيض. أما المشهد الآخر، فتحرير الذهنية التجارية من قبضة وسلطة الرأسمالية أمر هام لمنع احتكارها السوق؛ مما أشعل حرباً ضروساً مع هؤلاء لتأمين لقمة عيش كريم للمواطن، وكان أبرز مظاهرها؛ ولادة نماذج اقتصادية وصعودها كحركة اقتصادية متجددة وقبولها لدى الغالبية العظمى من المواطنين واستحسانها من قبل التجار والصناعيين أيضاً، إذ يمكن استبيان نتائجها من خلال مواكبة نشاطهم على أثر بدء مرحلة التأهيل وتزامناً مع مرحلة النمو والتطوير التي فتحت المجال لمنح التسهيلات الممنوحة للتجار لممارسة أنشطتهم بكل حرية واستقطاب المزيد منهم، بحيث تخلق بيئة اقتصادية محفزة لذوي الخبرات من أهل منبج وريفها من أجل الدفع بعجلة الاقتصاد نحو الأمام.
الاقتصاد المجتمعي الذي أخطانا اكتشاف ثماره
تُعدّ التنمية الاقتصاديّة التي تشهدها مدينة منبج من أهم العوامل والعناصر المُؤثرة في الاقتصاد الاجتماعي الجديد، إذ شمل جميع الوسائل التي تُساهم في تغيير البناء الاقتصاديّ في مختلف المجالات، ممّا يؤدي إلى نقل الحالة الاقتصاديّة القوميّة، كما لو كانت في السابق من انخفاض في كفاءة الإنتاج إلى تطور في المستويات الإنتاجيّة، عبر توازن العلاقات بين قطاعات الإنتاج جميعاً.
ويتجه ذلك الاقتصاد حسب عدد فني الاقتصاد في الإدارة المدنية بمنبج وريفها إلى البحث عن التجدد بالإمكانات الاقتصادية، والاستفادة من الموارد التجارية والزراعية المتاحة، وإعادة بلورتها بالشكل الذي يتوافق مع الطرح الجديد التي انبثقت منه الرؤية لتحرير كل شيء، والانفتاح على المجتمع الذي يعتبر الدينمو والمحرك الأساسي لعجلة الاقتصاد؛ بالاعتماد على النموذج الاقتصادي القائم على التشاركية والجمعيات التعاونية، وليست الاشتراكية التي جاءت بها الشيوعية على أساس طرح رأس المال من قبل الطبقة الحاكمة، ومن ثم تطبيقها إلى الطبقة الكادحة، بل طرحها على أساس تضامني، يتركز فيه الربح بالتساوي على الجميع، وعلى هذا النحو، يرتكز الاقتصاد في الفترة القادمة على تشجيع المبادرات الجماعية أو المشاريع الكومينالية، أو نظام الجمعيات. ويمكن القول إن هذا النموذج قد طرح من قبل، وتم تقييم نتائجه التي كانت ناجحة بامتياز، إذ أقيمت على ضوء ذلك المنظور؛ الجمعية التعاونية الزراعية والجمعية الاستهلاكية التابعتين للجنة الاقتصاد في مدينة منبج.