سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

“الأخطبوط  العثماني” ….ومصارعة دول الجِوار

وكالة هاوار

تتخبط السياسة التركية وتكاد تصل إلى درجة التدمير الذاتي، وبخاصة في الفترة الأخيرة التي توجت بعدوانها الهمجي على مناطق شمال و شرق سوريا، والتدخل العلني السافر في المسألة الليبية، بل انها السبب الرئيس في التناحر الليبي الليبي بعد أن قدمت انقره الدعم العسكري واللوجستي وحتى السياسي لحكومة الوفاق وتوصلت معها لاتفاقات وتفاهمات وُصفت دولياً بأنها “غير شرعية”
ويرى محللون وباحثون سياسيون بأن تحركات تركيا في المنطقة تأخذ سياقاً أكثر خطورة, وأن النظام التركي يقف على حافة السقوط، بسبب سياسته العدوانية والتدميرية في المنطقة.
يتمدد “الأخطبوط العثماني” على حد توصيف محللين سياسيين، لتحركات تركيا في المنطقة، مستمدة قوتها من حالة الضعف والفرقة ،التي ضربت بعض الدول العربية، ليس آخرها، تطويع حالة الصراع الداخلي في ليبيا، لصالح طموح الهيمنة والتوسع لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وفيما تُكثّف تركيا من تحركاتها في ليبيا، والبحر المتوسط، وتزايد تقديرات دول المتوسط، بخطورة هذه التحركات، أعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية، ابراهيم كالين أن: ” تركيا بصدد إعداد مسوّدة قانونٍ  يتيح  إرسال قوات إلى ليبيا” مُضيفاً: “أن البرلمان يعمل على هذه المسألة، وذلك بعد توقيع أنقرة على اتفاقية للتعاون العسكري مع حكومة فايز السرّاج الشهر الماضي”.
بموازاة إعلان الدول، تهديد اتفاق (السرّاج – أردوغان) لأمنها، وأمن ومستقبل ليبيا نفسها، تأخذ قراءات المحللين والباحثين السياسيين، لتحركات تركيا في المنطقة، سياقاً أكثر خطورة، في محاولة لإزاحة غيمة الضباب عن حقيقة أهداف تركيا من وراء هذه الاتفاقية، وتدخلاتها في دول المنطقة.
 الغاز الليبي أول أطماع أردوغان وليس آخرها
الكاتب والمحلل السياسي المصري، أحمد جمعة، رأى في حديثٍ لوكالة أنباء هاوار، أن: “تركيا تُكثّف من تحركاتها في ليبيا لعدة أسباب”، أولها: ” أن تركيا تريد الغاز والنفط الليبي  وتسعى  بشكل كبير إلى إيجاد موطئ قدم لها، فضلاً عن أن تركيا لديها استثمارات كانت تبلغ حوالي 11 مليار دولار قبل عام 2011 ،ومؤخراً وصلت هذه الاستثمارات إلى مليار دولار ؛ لذا تسعى تركيا بشتى الطرق إلى زيادة الاستثمارات التركية  وبشكل كبير للغاية في ليبيا، سواء بتدخل سياسي أو تدخل عسكري وهذا ما تقوم به في الوقت الحالي”.
ثاني هذه الأسباب، وفق الكاتب جمعة: ” لدى تركيا، أطماع في الغاز، في البحر المتوسط لذا تتصارع مع الوقت، لإبرام اتفاقات سواء شرعية ،أو غير شرعية، وقانونية ،مع حكومة الوفاق الوطني التي يترأسها فائز السرّاج ،كي يكون لها موطئ قدم في منطقة المتوسط، بذريعة أن هناك اتفاقاً وُقّع مع حكومة الوفاق، وهو ما أثار وسيثير أزمات ومشكلات كبيرة في شرق المتوسط”.
وأشار جمعة إلى أنه: ” انطلاقاً من هذه الأسباب وغيرها، رفضت دول مصر وقبرص واليونان الاتفاقات الموقعة  بين المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في ليبيا و بين الجانب التركي، خصوصاً، أن حكومة الوفاق برئاسة السرّاج قد انتهت ولايتها القانونية وفقًا لاتفاق الصخيرات”.
وتابع: ” الاتفاقات والمعاهدات الموقعة ما بين المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق وأي دولة أجنبية لابد أن تُحال هذه الاتفاقات إلى مجلس النواب الليبي كي يمرر هذه الاتفاقات وهو ما لم يحدث، لذلك تُكثف تركيا تحركاتها، لإثبات ما تريد بالقوة”.
 تركيا تزعزع استقرار منطقة المتوسط
وحول القلق المصري من هذه التحركات، قال جمعة: ” مصر ترى في  التحركات التركية في ليبيا، بأنها تحركات تخريبية، ليس في ليبيا فقط بل في الشرق الأوسط كله، وتسعى إلى زعزعة أمن واستقرار الشرق الأوسط، لذا تُجري مصر  اتصالات واسعة ومكثفة مع عدد من الأطراف المعنية باستقرار الشرق الأوسط، مثل: روسيا ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، لاطلاعهم على حقيقة الموقف، وما تقوم به تركيا في زعزعة الأمن واستقرار الشرق الأوسط”.
وأضاف: “القلق المصري من هذه التحركات، لأنها تجري على حدودها المباشرة، وهو ما يثير قلق وخوف مصر، لإمكانية أن تؤدي إلى زعزعة أمن واستقرار مصر ودول جوارها، وهو ما تهدف إليه تركيا، عبر دعم الجماعات المسلحة والإرهابية في ليبيا، لمساعدتها في إحياء إرث الخلافة العثمانية، وتحقيق أطماع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكن الشعب المصري يقف بالمرصاد”.
وبشأن التهديد التركي لمصر، أكد جمعة: ” لن تستطيع تركيا، أو أية دولة، احتلال مصر، لأن مصر دولة تمتلك مؤسسات أمنية وعسكرية قوية.. لديها جيش مصنف عالمياً، وأعتقد أن الأمر لن يصل إلى هذه النقطة، إذ أن أردوغان، يردد شعارات إعلامية، في محاولة تصدير أزماته الداخلية، والتحديات التي تواجهه والأزمات الاقتصادية التي تعصف  ببلاده، فضلاً عن العملية العسكرية في الشمال السوري، التي استنزفت جيشه”.
واختتم جمعة حديثه: ” أن النظام التركي يقف على طريق السقوط، بسبب سياسته العدوانية والتدميرية في المنطقة” .
 أما الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة  وفي ذات السياق فقال: “إن تركيا تخطط لتطويق ومحاصرة مصر، من خلال تحركات ترصدها مصر، بدأت بتواجدها في جزيرة سواكن في السودان ومرورًا  بالاتفاق المُوقّع مع السرّاج”.
هذه التحركات بحسب فهمي: ” دفعت القاهرة لإجراء مناورات عسكرية واسعة، وهو ما يشير إلى ذكاء صانع القرار المصري، وإدراكه لحجم الخطر الذي تُشكله هذه التحركات، ومصر مُستهدفة عبر التدخل التركي في ليبيا، وسعيها للهيمنة على الغاز الليبي، تمهيداً لتصديره إلى أوروبا”.
ويشير الدكتور فهمي، إلى أن:”  تركيا، تتبنى اتجاهات معادية لمصر، فالمخطط التركي يستهدف ليس فقط إرسال قوات إلى لبيبا، لدعم السرّاج أو حسم المعركة مع حفتر،  إنما بالأساس العمل على بناء قاعدة عسكرية وتمركز استراتيجي لمواجهة الأطراف الأخرى، وبالأخص مصر وتونس والجزائر كدول جوار إقليمي”.
وعن التحركات المصرية لمواجهة المخطط التركي، يقول: ” مصر تُنسّق مع اليونان وإيطاليا لبناء تحالف بحري في إقليم المتوسط، في مواجهة التحرك التركي وعدم الاعتراف باتفاق أردوغان – السراج، وتدويل مشهد التدخل في شؤون ليبيا.
ولفت إلى أن مصر: ” تنسق مع روسيا بالأساس وتعمل على تقديم دعم لوجستي استباقي قد يُغير المعطيات  أمام تركيا كذلك، تنسّق اليونان مع القاهرة ووزير خارجيتها الذي  زار مؤخراً القاهرة، وذهب إلى قبرص، وأجرت  إيطاليا لقاءً مع حفتر كرسالة حقيقية لما يمكن  أن تقوم به بعض الأطراف في مواجهة السعي التركي، كما ان الاتحاد الأوروبي سيكون داعماً لليونان وإيطاليا وسيرفض إلى جانب الدول العربية إجمالاً موقف تركيا “.
وختم الدكتور فهمي: ” مصر لديها خياراتها العسكرية القوية، لترتيب الأجواء السياسية، لكن الخيارات الدبلوماسية السياسية تسبق دائماً الخيار العسكري”.