No Result
View All Result
المشاهدات 1
رستم عبدو –
تتميز المناطق الشمالية والشرقية من سوريا، لاسيما المناطق الواقعة بين نهري دجلة والفرات بكثرة التلال والمواقع الأثرية، والتي ربما لا تقل أهمية وكثرة عن النفط والغاز الموجود هناك، فقد سبق وأن أشار الباحث الإيطالي باولو إيميليو بيكوريلا, الذي فقدَ حياته أثناء عمليات التنقيب في موقع تل بري الواقع على الضفة اليسرى لنهر جقجق بالقرب من قامشلو, إلى هذه النقطة حين قال: “إن تلال وآثار الجزيرة أغنى من بترولها”.
يُقدّر عدد المواقع والتلال الأثرية في هذه البقعة الجغرافية التي تشمل كل من الحسكة والرقة والريف الشرقي من حلب والشمالي من دير الزور بنحو /1750/ تلاً وموقعاً أثرياً، أي ما يعادل /1750/ متحفاً، إذا ما اعتبرنا أن كل تلة أو موقع يُشكّل مشروع متحف على غرار تل حلف الذي شكّل بمفرده متحفاً في الخارج وبالتحديد في ألمانيا، والذي ضم أكثر من /600/ قطعة أثرية من بينها تماثيل ضخمة كانت قد استُخرجت من موقع تل حلف في سري كانيه (رأس العين)، ونقل إلى برلين بعد الحرب العالمية الأولى في عهد الدبلوماسي والمنقب الألماني ماكس فون أوبنهايم.
استوطنت في هذه المواقع والتلال التي تركّز انتشارها حول ضفاف الأنهار والأودية, حضارات وممالك وشعوب مختلفة منذ العصر الحجري الحديث وحتى العصور الإسلامية المتأخرة, ونظراً لأهمية هذه المنطقة، فقد كان موقعي جرابلس (كركميش) ومن ثم تل حلف (غوزانا) الواقعة ضمن هذه الجغرافية أولى المواقع السورية التي شهدت تنقيبات نظامية.
تجاوز عدد المواقع التي عملت فيها بعثات مختلفة (أجنبية أو سورية أو مشتركة), في هذه المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات منذ أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الميلادي, مئة موقع أثري، وكان يعمل فيها مؤخراً حتى عام 2010- 2011 نحو /30/ بعثة أثرية.
خلال الأزمة السورية، توقفت عمليات التنقيب النظامية في هذه المواقع شأنها شأن المواقع الأخرى في سوريا، وغادرت معظم هذه البعثات الأراضي السورية, ومع غياب سلطة ورقابة الدولة عن هذه البقعة الجغرافية، أصبحت العديد من هذه المواقع عرضة للتعديات والتجاوزات، لا سيما بعد سقوطها بيد الفصائل الإسلامية المُسلّحة، كـ(جبهة النصرة وأحرار الشام وتنظيم الدولة الإسلامية)، الذين أطلقوا العنان للمدنيين والعسكريين للتنقيب والبحث عن القطع الأثرية واستخراجها بطرق غير شرعية، بغية بيعها، وبالتالي توظيف الأموال الناجمة عنها لدعم فصائلهم العسكرية وتزويدها بالسلاح والعتاد إلى جانب دفعها لرواتب المقاتلين والجهاديين المنضوية تحت راياتهم.
لا يوجد حتى هذه اللحظة إحصائيات دقيقة بخصوص عدد المواقع الأثرية التي تعرضت للتعديات والتجاوزات في هذه المنطقة الجغرافية, إلا أنه من المتوقع أن العدد كبير جداً وربما تتجاوز الـ/400/ تل وموقع, ناهيك عن أن حجم ونوع الأضرار فيها الذي اختلف من موقع لآخر أو من منطقة لأخرى, وهذه الأضرار تراوحت ما بين (مخالفات بناء- تنقيب سري- ترحيل أتربة ـ تجريف ـ تحصينات عسكرية).
هذه الثروة الثقافية المتمثلة بالتلال والمواقع الأثرية والتي لا تُقدر بثمن، والتي قلما نجد لها نظير في أية بقعة أخرى خارج منطقة الهلال الخصيب, كانت ولا تزال محط أنظار واهتمام العديد من الجامعات والبعثات والمؤسسات العلمية والمهنية التي عملت في سوريا، أو التي كانت تطمح بالقدوم من أجل العمل, هذه الثروة نجدها إحدى ضحايا الصراع القائم في سوريا وهي دون أدنى شك تمثل: خسارة للسوريين، التي طالما شكّلت هذه التلال والمواقع جزءً من تاريخهم وثقافتهم وهويتهم.
خسارة للجامعات وللمؤسسات العلمية والثقافية المحلية والعالمية التي كانت تسعى للعمل في هذه التلال والمواقع من أجل دراستها والكشف عن تاريخها وأسرارها.
خسارة للمتاحف السورية التي ستفتقد لآلاف القطع الأثرية التي نُهبت من هذه المواقع ربما دون رجعة والتي غالباً ما ستجد لها مكاناً في المتاحف العالمية.
No Result
View All Result