أردوغان والسعي لأخونة ليبيا

غاندي إسكندر –

على وقع أنين الشعوب الليبية، وحلمهم بالحرية التي اُغتصبت من مروجي الفكر الظلامي (الإسلام الراديكالي) وعلى أنقاض نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، سارعت تركيا إلى التدخل في الشأن الليبي، ولاسيما بعد الحرب الأهلية التي فتحت أطراف الباب على مصراعيه للتدخلات الإقليمية والدولية. فتركيا اللاهثة للصيد في الماء العكر، وعدوة الشعوب الحرة دعمت أطرافاً ليبية إخوانية على حساب أخرى، وصبت الزيت على النار، وأججت من الفتن، والنار المستعرة، وقد يتساءل البعض لماذا تتدخل تركيا في الشأن الليبي، وهي تبعد عنها آلاف الأميال ؟
الجواب باختصار أن رأس هرم السلطة في تركيا رجب طيب أردوغان، وزعيم حزب العدالة والتنمية ذو النهج التسلطي الديكتاتوري في الحكم، وصاحب فكرة الأمة التركية واللون الواحد، والعلم الواحد، واللغة الواحدة، وبعد أن سيطر على مقاليد كافة السلطات في تركيا اتسعت دائرة أحلامه وبات يريد السير على خطا أجداده من آل عثمان الذين نهبوا البلاد العربية، وقضوا على ثقافات الشعوب، وعاثوا في الأرض فساداً، في كل بقعة احتلوها. فأردوغان المهووس بالتاريخ العثماني، وحب الأنا يرغب في نشر مشروع الإخوان المسلمين في كل دولة تعاني من صراعات داخلية، لذلك يسعى إلى أخونة ليبيا، وتمكين الإخوان من حكمها ولو بالقوة، وربطهم بأنقرة كتابعين للباب العالي أيام السلطنة، وبالتالي السيطرة على مقدرات البلاد، ولاسيما النفط والغاز.
وللوصول إلى هذا المبتغى يدعم أردوغان جميع الحركات الإسلامية الأصولية في ليبيا ويأوي أغلب قيادات الإخوان في أنقرة، ويفتح مشافيه لكل الإرهابيين الملوثة أياديهم بدماء الليبيين من أتباع داعش وأخواتها، ويقدم لهم الدعم المالي، والإعلامي والعسكري، فزعيم حزب العدالة الليبي محمد صوان يصول، ويجول هو وقياديّه في أنقرة وإسطنبول، كما يأتي دعمه لحكومة السراج في طرابلس بالسلاح بكافة أنواعه، والطائرات المسيرة تحقيقاً لهذا المراد. وهو نشر فكر الأخونة والتحكم به، ولدعم مشروعه عقد أردوغان مؤخراً مع حكومة فايز السراج مذكرتي تفاهم وهي اتفاقية من شقين الأولى أمنية، والثانية اقتصادية تلك المذكرة التي لاقت رفضاً من أغلب دول الجوار الليبي كون الاتفاقية تطلق يد تركيا في كامل الجغرافية الليبية، وتجعل من أرضها وجوهاً وبحرها ملعباً لأردوغان ومشاريعه التوسعية في حوض البحر الأبيض المتوسط.
ومن الأسباب التي تدفع تركيا للتدخل في ليبيا، هو الضغط على جمهورية مصر العربية، وحكومتها، ورئيسها عبدالفتاح السيسي الذي أدرج الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية وزج برفاق أردوغان في السجون؛ لذلك يهدف أردوغان إلى الانتقام من الفراعنة من خلال الاقتراب من حدودها البرية من البوابة الليبية وتهديد مياهها الإقليمية. ولكن تبقى الرغبة في التوسع كما في سوريا والعراق وإعادة رسم الخرائط ولوزان جديدة على مقاسهم وفق التفكير العثماني هو الدافع الرئيسي لأردوغان وحزبه في مشروعهم لكن في المقابل، فقد رفض الشعب الليبي خطط أردوغان في ليبيا وأعلن الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر تصديه للتدخل العسكري التركي بكل صلابة، وقد أسقط أكثر من طائرة مسيرة تركية في الأجواء الليبية، وأنه لن يسمح بأي شكل من الأشكال تحويل الجغرافية الليبية إلى مرتع آسن لأردوغان وزبانيته.