No Result
View All Result
المشاهدات 0
عبد الله أوجلان –
علينا تَوَخّي العناية الفائقة لفهمِ الاحتكار. فمثلما أنه لا يعني رأسَ المالِ وحسب، فهو ليس السلطةَ أيضاً. ولا يتشكلُ في الميادين التجاريةِ والعسكرية والإداريةِ فقط. إنه تعبيرٌ إجماليٌّ عن كلِّ تلك القِيَمِ والميادين. في الحقيقة، الاحتكارُ ليس حتى اقتصاداً. بل هو قوةُ تحقيقِ السلبِ والسطوِ في الميدانِ الاقتصاديِّ عن طريقِ العنف والتقنية والتنظيماتِ التي في قبضته. هو شركة. ولكنه ليس من الشركاتِ الاقتصاديةِ المألوفة لدينا، بل شراكةُ تكديسِ رأسِ المالِ في نهايةِ المطاف. ويَظهَرُ أمامنا أحياناً كجهازِ سلطةٍ غيرِ متدولة، وأحياناً أخرى في هيئةِ دولة. ويَلجَأُ كثيراً لاستخدامِ صفةِ «الشركة الاقتصادية» في راهننا. لكن، ومثلما ذكرتُ آنفاً، من الأصحِّ القول أنه «شركةُ سلبِ الاقتصاد»، بدلاً من كَونِه اقتصادياً. وقد يَعكِسُ نفسَه في شكلِ الجيشِ أحياناً، وفي اتحادِ التُّجَّارِ أو الاحتكارِ الصناعيِّ في الكثيرِ من الأماكن. قد تَكُونُ للاحتكارِ أذرعٌ كثيرةٌ كما الأخطبوط. وقد يَظهَرُ للوسطِ أحياناً كتأثيرٍ مشترَكٍ لاتحادِ العديدِ من القوى والطاقاتِ الكامنةِ المختلفة. لكنّ المهمَّ في جميعها هو تَجَمُّعُ فائضِ القيمةِ بين أياديها على شكلِ رأسِ مال. هذه هي حقيقته الأساسيةُ التي لم تتغير، واستمرت بلا انقطاع، وتعاظمت تراكمياً طيلةَ خمسةِ آلاف سنة. وما تشكيلُ المنافسة – الهيمنة والصعود – الهبوط والمركز – الأطراف، إلا بغرضِ الاستمرارِ بهذه الحقيقةِ الثابتة، وتسييرِها دون انقطاع على شكلِ حلقاتٍ متسلسلة.
ينبغي الانتباهَ إلى كونِ ألفاظِ «الرأسمالية» والنظام الرأسمالي قد استُخدِمَت كاصطلاحاتٍ دعائية. قد يَكُونُ بالإمكان تبيانَ مرادفاتِ هذه المصطلحاتِ من حيث المضمون. لكن، ولدى تقييمها كنظامِ الظواهرِ والأحداثِ والعلاقاتِ المُعَبِّرةِ عن الحقيقةِ المطلقة، تَغدو مصطلحاتٍ يرتفعُ فيها مُعَدَّلُ تحريفِ الطبيعةِ الاجتماعيةِ وقضاياها. فجريانُ الحياةِ الاجتماعيةِ مغاير. ومن خلالِ أبعادِ القضايا التي يعانيها المجتمع، يتضح بكلِّ جلاء أن هذا الجريان يتطلب علماً ولغةً جديدَين.
إذا كانت الرأسماليةُ تعني نظامَ تكديسِ رأسِ المال، فقد بُرهِنَ أنّ أولَ أشكالِ تطبيقِ هذا التراكمِ بشكلٍ شاملٍ قد حَصَلَ في دولِ المدائنِ السومرية. فشركاتُ رؤوسِ أموالها، أموالُها، مستودعاتُها، تنظيمها، وإدارتها هي أساسُ دولِ المدائنِ تلك؛ حتى وإنْ كانت بشكلٍ بدائي. ولَربما كانت المدينةُ نفسُها أولَ شركةِ رأسِ مال، أو الاحتكارَ بِحَدِّ ذاته. فإلى جانبِ الجيشِ التجاريِّ والعسكريِّ والعلميِّ والفني، كان الرهبانُ الحُكَّامُ والعاملون – العبيد يُشَكِّلون الطبقاتِ الاجتماعيةَ الأساسيةَ حتى في ذاك العصر. فالمعبدُ (الزقورات) كان في الوقتِ نفسه معملاً، وملجأً للعاملين – العبيد، ومقراً للحكامِ والقادةِ العسكريين، ومركزاً لإدارةِ الرهبان. والطابقُ الأعلى كان مكاناً لنشاطِ الآلهةِ الطبيعيةِ في الرصدِ والمراقبة طبعاً. كلُّ شيءٍ كان قد رُتِّبَ بشكلٍ متداخلٍ يَنُمُّ عن الكمال. إني أرى هذا المثالَ خارقاً، وأَعتَبِرُه «رحم» مدنيتنا (بكل بنيتها التي تتألف من الدولة والطبقة والمدينة). وما قصةُ المدنيةِ المركزيةِ المعمرةِ خمسةِ آلافِ عامٍ سوى واقعُ ذاك المعبدِ المنفتحِ والمتَّسِعِ على الزمانِ والمكان، لا غير.
No Result
View All Result