قامشلو/ دعاء يوسف – مجزرة “السيفو” ليست مجرد صفحة سوداء في التاريخ، بل نداء مستمر ضد النسيان والإفلات من العقاب. وبينما تواصل شعوب المنطقة نضالها من أجل الاعتراف والعدالة، تبقى ذاكرة السيفو شاهدة على فظائع لا يجوز أن تتكرر، وقد بينت ممثلة الاتحاد النسائي السرياني في منسقية مجلس المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا “صباح شابو”، أن سلسلة الجرائم التي ترتكب حتى اليوم بحق الشعوب الأصلية، امتداد لجرائم الأرمن والسريان.
في الخامس عشر من حزيران من كل عام، تحيي الشعوب السريانية والكلدانية والآشورية ذكرى واحدة من أفظع المآسي التي مرّت بها المنطقة، وهي “مجزرة السيفو” التي ارتكبتها السلطنة العثمانية عام 1915، وراح ضحيتها أكثر من مليونين ونصف إنسان من السريان والآشوريين والكلدان، إلى جانب الأرمن واليونانيين، وهذه المجازر لم تكن مجرد وقائع قتل جماعي، بل محاولة منهجية لإبادة هوية دينية وقومية، وطمس تاريخ شعب أصيل ضارب في جذور حضارة ميزوبوتاميا.
مجازر في الذاكرة
وفي الذكرى العاشرة بعد المائة من إحياء هذه المجزرة، أجرت صحيفتنا “روناهي” لقاء مع ممثلة الاتحاد النسائي السرياني في منسقية مجلس المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا “صباح شابو” التي حدثتنا عن هذه المجازر: “إنّ مجزرة السيفو ليست
حدثاً عابراً، بل جرحاً في قلوبنا، وهي استكمال للمجزرة الأرمنية التي وقعت في 24 نيسان 1915، وتمتد في تاريخها لتشمل السريان في 15 حزيران من العام نفسه، ونحن نتحدث عن إبادة جماعية عالمية شهد عليها التاريخ، راح ضحيتها الملايين، وتم خلالها ذبح وتهجير شعوب بأكملها”. وأضافت: “نحن أحفاد الشهداء، نعرف تفاصيل هذه المأساة من أجدادنا وجداتنا، إذ كانت جدتي تروي لنا القصص وهي تبكي، تحدثنا عن نساء صُلبن، وأخريات شُقت بطونهن في وسط رهانات عديمة الإنسانية لمعرفة جنس الجنين، كانت الإبادة دموية ووحشية ولا يمكن للعقل البشري أن يتصورها”.
وتابعت صباح حديثها عن استمرار آثار المجزرة: “بعد سنتين من مجازر السيفو، صدر فرمان النفي بحق الشعب السرياني، فتم طرد الناس من منازلهم وأراضيهم، وتشتيتهم في الصحراء ومختلف أنحاء العالم، وجدي عاش هذا التهجير ومات عن عمر 125 عاماً، وهو يروي لنا كيف كانوا يمشون حفاة دون ماء أو طعام”.
ومن القصص التي بقيت في ذاكرة صباح: “قصة قطار الموت، والتي كانت تسميها جدتي بالسريانية “ترينو دو موتو”، حيث كانوا يضعون الأطفال والنساء بداخله مجردين من ثيابهم، بدون طعام ولا ماء، ثم يغلقون عليهم البوابة، ويرسلون القطار إلى المناطق المتجمدة شمالاً، ليموتوا هناك من البرد والجوع”.
تخاذل دولي وإنكار للجريمة
رغم مرور أكثر من قرن على المجازر، لا تزال الدولة التركية ترفض الاعتراف الرسمي بها، وتعتبر صباح شابو أن هذا الرفض ليس مجرد إنكار تاريخي بل “يحمل أبعاداً سياسية واقتصادية ودينية”.
وقالت: “الاعتراف يعني الإقرار بمسؤولية الدولة العثمانية، ويتطلب إعادة الأراضي وتعويض الدماء، وهذا ما يشكل تحدياً كبيراً لنا، خاصة مع وجود دول تساند الموقف التركي باسم الدين، رغم أن هذه المجازر لا تمت للإسلام بصلة بل استُخدم الدين كغطاء لأفعال شخصية إجرامية”.
أكدت صباح، أن الكنيسة والمؤسسات السريانية تلعب دوراً كبيراً في إبقاء القضية حيّة في الذاكرة الجماعية: “نحن، اتحاد نسائي سرياني، نعمل على إيصال قضيتنا للعالم. حصلنا على اعتراف دول مثل أمريكا حيث أقر مجلس الشيوخ عام 2024 بالإبادة السريانية والأرمنية، هذا الاعتراف هو بداية الطريق لاسترداد الحقوق، كما اعتراف الإدارة الذاتية بالمجازر التي حصلت بحق الشعوب له أبعاد إنسانية كبيرة في قلب الشعب السرياني”.
تكاتف الشعوب المتضررة
كما أشارت صباح إلى أهمية التعاون مع الشعوب التي تعرضت لإبادة مشابهة مثل الأرمن والإيزيديين والكرد: “نحن نشعر بألم بعضنا، وإنّ ما عانته المرأة الإيزيدية، عانته المرأة السريانية أيضاً من بيع واغتصاب وتهجير، وإن التركيز على إذلال النساء في كل إبادة كان وسيلة لضرب المجتمعات، لأن المرأة هي عماد المجتمع”.
ونوهت إلى أنّ سلسلة الجرائم التي مازالت قائمة حتى اليوم بحق الشعوب الأصلية، ماهي إلا امتداد لجرائم الأرمن والسريان، فالصمت الدولي وتجاهل هذه الجرائم بحق الإنسانية سهل على الدول الرأسمالية الاستمرار في هذه الجرائم.
في ختام حديثها، وجهت ممثلة الاتحاد النسائي السرياني في منسقية مجلس المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا “صباح شابو” رسالة إلى المجتمع الدولي قائلة: “المطلوب هو الاعتراف الرسمي بمجزرة السيفو من تركيا، ووضع قانون دولي يجرّم مرتكبي الإبادات بحق الشعوب الأصيلة، ولا يمكن للصمت الدولي أن يستمر، لأنه أحد الأسباب الرئيسية في تكرار هذه الجرائم، وأنّ دماء الشهداء لن تذهب هدراً، وعلينا الاستمرار في الن
ضال من أجل العدالة”.
