قامشلو/ سلافا عثمان ـ وثق شباب روج آفا في مشروع بحثي تجارب الفئة الشابة في مواجهة التهميش، من خلال طرح قضايا اجتماعية ونفسية وسياسية تمس حياتهم ومن خلال التعبير والرأي يشاركون في صياغة الواقع المعاش وطرق نبذ الظواهر السلبية المؤثرة عليهم.
رغم العقبات، يواصل العديد من شباب روج آفا البحث عن سُبل للمشاركة الفاعلة في صياغة مستقبل يحمل الأمل، من هنا تأتي أهمية توثيق تجاربهم كما في كتاب “Ciwanên Rojava”، كضرورة لا يمكن تجاهلها، فهؤلاء الشباب الذين طالما أُقصيت أصواتهم، باتوا يدركون حاجتهم إلى فضاءٍ يعكس واقعهم، ويمنحهم حرية التعبير عن أفكارهم دون خوف أو رقابة، كما كان الحال طوال عقود من التهميش.
المشروع البحثي
في تجربة بحثية رائدة وغير مسبوقة، أطلق مجموعة من شباب روج آفا كتاباً يجمع بين السرد القصصي والعمل الميداني لتوثيق أبرز القضايا التي تؤثر في حياة الشبيبة في إقليم شمال شرق سوريا، جاء كتاب (Ciwanên Rojava) ثمرة جهد جماعي تحت إشراف الصحفيتين “شيندا أكرم” و”خبات عباس”، وبدعم من الباحث النمساوي الدكتور توماس شيمدنجر، بهدف منح الشباب مساحة للتعبير عن أنفسهم، وإيصال أصواتهم إلى مجتمعاتهم والعالم.
توضح الصحفية “شيندا أكرم”: إن هذا العمل لم يكن مجرد مبادرة بحثية، بل ضرورة ثقافية في منطقة عانت من تهميش طويل، لم تكن الكتابة أمراً مألوفاً بين الشباب في روج آفا، بسبب عقودٍ من القمع الذي مارسه النظام السوري على الهوية واللغة الكردية، لقد حُرم الكرد من التعلم بلغتهم، ومنعوا من التعبير عن ثقافتهم، مما جعل من الكتابة فعلاً هامشياً إن لم يكن مستحيلاً، لذلك يمثل المشروع محاولة لإحياء ثقافة التعبير بعد أن غابت لعقود، حيث نشأت أجيال لم تتح لها فرصة الكتابة النقدية أو البحثية، ولم تكن تمتلك منصات للنشر أو مؤسسات أكاديمية تعترف بلغتها وهويتها.
انطلق المشروع في حزيران 2024، وكان من المفترض أن ينتهي خلال ثلاثة أشهر فقط، لكنه استمر حتى كانون الثاني 2025، بسبب تحديات أمنية ولوجستية صعبة واجهت الفريق خلال مراحل التنفيذ، بدأ أول اجتماع في مقر “اتحاد مثقفي روج آفايي كردستان” في قامشلو، حيث جرى نقاش مفتوح مع عشرة شباب وشابات حول القضايا المهمة التي تستحق البحث والمعالجة. لاحقاً، تقلّص العدد إلى ثمانية مشاركين بعد انسحاب البعض لعدم قدرتهم على الاستمرار، مما استدعى البحث عن بدائل لإكمال العمل وضمان استمراريته. تقاسم العمل والانتقال لمرحلة جديدة كانت الخطوة التالية، تشير شيندا اليها: “تم تقسيم المشاركين إلى مجموعات صغيرة، وناقشنا مع كل منهم على حدة فكرة البحث، وآلية جمع المعلومات، والمصادر التي يجب الرجوع إليها. كانت معظم التجارب فردية لأول مرة، ولذلك كان من الضروري تقديم الإرشاد اللازم في كل خطوة”.
القضايا المطروحة
الكتاب يتضمن ثمانية فصول، يعالج كل فصل قضية مركزية تؤثر على الشبيبة في إقليم شمال وشرق سوريا: الانقطاع عن التعليم، المهن الإبداعية، المشاكل النفسية، التحرش الإلكتروني، الإدمان والمخدرات، انتهاكات الحرب، تحديات ذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى دور الشباب في السياسة.
الكتاب يطرح جوهر القضايا الملحة ولو بشكل جوهري وعام ولا بد من التوسع في كل محور من محاور الكتاب لأهميتها، شيندا تبين ذلك: أن “الكتاب بمثابة توجيه أولي وبحث كتب بالخطوط العريضة، إذ خصص لكل قضية فصل يتراوح ما بين 30 إلى 40 صفحة، لكن مقارنة بحجم وتشعب كل موضوع، فإن هذا الحجم يعد قليلاً جداً. فكل قضية من القضايا التي طرحناها في هذا العمل، بالإمكان أن تُفرد في كتاب مستقل بذاته، لما تحتويه من تفاصيل وأبعاد اجتماعية ونفسية وسياسية عميقة”.
وأكدت أن الفريق اعتمد على منهجية بحث ميداني، تضمنت إجراء مقابلات مع شباب وشابات عاشوا هذه القضايا أو تأثروا بها، إضافة إلى زيارة مؤسسات مختصة مثل “دار المرأة” والجهات الحقوقية: “لم يكن الهدف فقط التوثيق، بل أيضاً الإحساس بالقضية، إذ اقترب المشاركون من المواضيع ليس كمراقبين، بل كمواطنين يعايشون هذا الواقع، وهذا ما منح النصوص طابعاً صادقاً وملموساً”.
نظراً لحساسية المواضيع، خاصة التحرش أو الإدمان، استخدم المشاركون أسماء مستعارة في بعض الحالات: إحدى القصص كانت تحكي عن محامية تعرضت للتحرش ثم أُجبرت على الزواج قسراً. تقول شيندا: “تحدثنا مع الأمهات، ومع المؤسسات، ومع الشباب أنفسهم. واحدة من الأمهات كانت تبكي، وهي تقول: “اتركوا مجالاً للنقاش مع أولادكم، لا تزرعوا فيهم الخوف”، وهذا هو جوهر الرسالة: كسر الصمت الذي يفرضه المجتمع حول هذه القضايا”.
في موضوع التحرش الإلكتروني وحده، سجلت “دار المرأة” في قامشلو أكثر من 50 حالة خلال عام، ما يعكس خطورة الظاهرة والحاجة إلى وعي مجتمعي ومتابعة مؤسساتية.
مستقبل الشباب وآمالهم
ورغم قلة الموارد، نجح الفريق في إنتاج محتوى هام يعكس واقع المنطقة، بعض المشاركين قدموا من مناطق مختلفة، مثل قامشلو، وسري كانيه، وعفرين، وبعضهم طلاب في جامعة روج آفا، يدرسون باللغتين الكردية والعربية، وآخرون خاضوا تجربة الكتابة لأول مرة.
تؤكد شيندا، إن هذا المشروع هو أول تجربة من نوعها بهذا النطاق، وأن كل فصل في الكتاب يمكن أن يتحول إلى بحث مستقل أو حتى إلى كتاب خاص بذاته: “ما كتبناه لا يمثل سوى الخطوط العريضة، والقضايا التي تناولناها معقدة وتحتاج إلى المزيد من الوقت والدراسة، لكن ما يميز هذا العمل أنه كُتب بأقلام من يعيشون الواقع، لا من يراقبونه من الخارج”.
واختتمت الصحفية “شيندا أكرم” حديثها: “رغم ما حققته روج آفا من إنجازات، إلا أن هناك قضايا حساسة لا تزال تُكتم داخل البيوت والقلوب، هذا الكتاب هو محاولة لفتح هذه الملفات، ليس بهدف الإدانة، بل سعياً للفهم والتغيير”.