الطبقة/ عبد المجيد بدر ـ في رحلة فنية بعيدة، لم تقف الحدود الجغرافية عائقاً أمام الطموح، اختارت فنانة تشكيلية وطفلتيها من القنيطرة المشاركة في ملتقى روج آفا الخامس للفن التشكيلي في مدينة الطبقة.
لم يكن الطريق سهلاً، لكن الألوان كانت أكثر إشراقاً من كل الصعوبات، هذه القصة لا تتعلق فقط بالفن، بل هي قصة مقاومة للألم، وتأكيد على أن الوحدة بين السوريين لا تحتاج إلى كلمات، بل إلى ريشة ملونة وأحلام مشتركة.
من مدينة القنيطرة التي تقع على أطراف الجنوب السوري، شدّت فنانة تشكيلية وطفلتاها الرحال إلى مدينة الطبقة، شمال وشرق سوريا، للمشاركة في ملتقى روج آفا الخامس للفن التشكيلي الذي جمع فنانين من مختلف الجغرافية السورية.
رحلة استثنائية لعائلة اختارت الفن ليكون وسيلة تواصل وحوار بين ثقافات الشعوب السورية.
زمزم الحاج، فنانة ذات خلفية فنية ممتدة، قررت اصطحاب طفلتيها زمرد (17 عاماً) وياقوت (تسعة أعوام) في هذه المغامرة الفنية رغم التخوفات المجتمعية من طول الطريق وظروف السفر، لتثبت أن سوريا، على الرغم من تشتتها، ما زالت قادرة على إنتاج مشاهد وحدوية.
فن.. وحدة.. أمل
المشاركة اللافتة لعائلة فنية من الجنوب في ملتقى فني بالطبقة لا تعكس فقط شغفاً فردياً، بل تشير إلى إمكانيات جديدة للتواصل الثقافي بين السوريين، وتكشف عن دور الفن في كسر العزلة وتعزيز الشعور بالهوية المشتركة.
تأتي هذه المشاركة كتعبيرٍ عن ثقة جزء من السوريين بالإدارة الذاتية كمظلةٍ آمنة للاختلاف والتنوع، وكمساحة حرة للتعبير الفني بعيداً عن الاصطفافات السياسية والانقسامات الجغرافية.
تحدثت الفنانة التشكيلية زمزم لصحيفتنا عن الهدف من مشاركته في الملتقى ورؤيتها للأبناء المنطقة: “رغم التحذيرات من السفر ومعارضة البعض في محيطي، اخترنا أن نأتي لأننا نؤمن بأن الفن يوصل الرسائل التي تعجز عنها السياسة. شعرت أني في بيتي، بين فنانين من مختلف الخلفيات، نتبادل الخبرات والقصص والانتماء المشترك”.
وتتابع: “لوحاتنا استلهمت التراث المحلي للطبقة، ووجدنا تشابهاً كبيراً بينه وبين تراث الجولان، وهذا أكّد لي أن سوريا، برغم التنوع، تملك ذاكرة جماعية واحدة”.
الفن إرث وحياة
تنحدر زمزم من عائلة فنية عريقة في القنيطرة، بدأت تعليم الرسم قبل أكثر من 20 عاماً، مما جعل الفن جزءاً من حياة طفلتيها منذ ولادتهما. تقول إنهما كبرتا داخل بيئة إبداعية مرنة، سمحت لهما بالتعبير عن أنفسهما دون قيود.
في المقابل، يبرز ملتقى روج آفا الخامس للفن التشكيلي في الطبقة كإحدى الفعاليات الثقافية النادرة التي تسعى إلى خلق فضاء حواري جامع، يستقطب فنانين من مختلف المناطق السورية، بما يعزز فرص التواصل الثقافي في زمن الانقسام.
الفن يجمع أطفال وشباب سوريا
يُعد ملتقى الفن التشكيلي في مدينة الطبقة من أبرز الفعاليات الثقافية التي تُنظمها هيئة الثقافة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، ويهدف إلى تعزيز الحوار الثقافي بين الشعوب السورية عبر الفن. شارك في النسخة الحالية عشرات الفنانين من مختلف المناطق السورية، بينهم فنانون شباب وأطفال، ما أعطى للملتقى طابعاً مجتمعياً بامتياز، وفتح المجال أمام تلاقي المدارس الفنية المختلفة في بيئة واحدة.
توضح زمرد سويد ذات 17 عاماً، الطفلة الكبرى للفنانة التشكيلية زمزم: “لم أدرس الفن في معهد، لكنني شعرت أنني فنانة حقيقية هنا. الملتقى أعطاني ثقة بنفسي، وشجّعني على الاستمرار رغم الظروف الصعبة. تعلمت من مشاركين يتكلمون لهجات ولغات مختلفة، وشعرت بأننا جميعاً ننتمي لنفس الأرض”.
أما الصغيرة ياقوت سويد والتي تبلغ تسع سنوات، فعبّرت بطريقتها: “رسمت مع طفلة من الرقة، وأردت أن أقول: أوقفوا الحروب، دعونا نرسم ونلعب فقط”.
ريشة ضد الانقسام
تقول، عضو اللجنة التنظيمية للملتقى والرئيسة المشتركة لهيئة الثقافة والفن لإقليم شمال وشرق سوريا “سرفراز شريف” عن المشاركات المتنوعة من مختلف المناطق السورية، بعيداً عن السياسة: “نحن نؤمن أن الفن أقوى من الجدران السياسية، ولهذا نحرص على دعوة فنانين من كل المناطق دون النظر لانتماءاتهم. مشاركة عائلة من القنيطرة كانت لافتة، وقدمت رسالة مهمة بأن السوريين ما زالوا يملكون قدرة اللقاء والإبداع المشترك، فقط إذا وُجدت بيئة آمنة ومحترِمة”.
وأضافت: “ما شاهدناه من تفاعل بين المشاركين، وخاصةً بين الأطفال، أعاد تعريف مفهوم الوحدة الوطنية بشكل بصري وحيّ، هذا هو دور الفن الحقيقي في هذه المرحلة”.
من خلال الألوان واللوحات، عبّرت عائلة زمزم الحاج عن حلم مشترك، وجسّدت على القماش خريطةً لسوريا التي تجمع أبناءها رغم المسافات، ففي الطبقة، التقت القنيطرة بالفن، وولد أمل جديد بأن الفن ما زال قادراً على لمّ الشمل.
هذا وانطلقت فعاليات الموسم الخامس من ملتقى روج آفا الفن التشكيلي تحت شعار “على إيقاع ألوانٍ سورية” في مدينة الطبقة في 3 من شهر أيار الجاري بمشاركة 31 فنانًا وفنانة من مختلف المناطق السورية، واستمر لعدة أيام عُرض خلالها 62 عملًا فنيًا تنوّعت بين الرسم والنحت، وبرز الحضور النسائي بـ11 فنانة قدّمن أعمالًا تعبّر عن قضايا مجتمعية وإنسانية، مستخدمات خامات مختلفة أبرزها “الأكرليك “(وهو طلاء سريع الجفاف يعتمد على الماء، يجمع بين خصائص الألوان الزيتية والمائية)، الزيتي والنحت.