محمود مصطفى عبد الرحمن
تعدُّ منطقة كشمير واحدة من أكثر مناطق العالم تعقيداً من حيث النزاعات الجغرافية، التاريخية والعسكرية، وتعتبر هذه المنطقة التي تقع في شمال شبه القارة الهندية، ساحة صراع مستمر بين القوى الإقليمية الكبرى: الهند وباكستان، مع تدخل الصين في بعض الجوانب. الحروب والاحتلالات والتغيرات السياسية التي مرت بها كشمير جعلتها مركزاً للاضطرابات، وأدت إلى توترات دولية مستمرة، هذه السطور تتناول النزاع الكشميري من زاوية جغرافية، تاريخية، سياسية، وعسكرية، لتُسلّط الضوء على أسباب الصراع وتطوراته.
أولاً: الجغرافيا والموقع الاستراتيجي:
تقع كشمير في منطقة جبلية ذات موقع استراتيجي بالغ الأهمية شمال شبه القارة الهندية، حيث تحدها من الشمال الغربي باكستان، ومن الشرق الصين، ومن الجنوب الهند، وتقترب من حدود أفغانستان. هذه المنطقة، التي تشتهر بجمالها الطبيعي الخلاب، أصبحت محط أنظار القوى الكبرى، مما أضاف بعداً استراتيجياً للصراع على السيطرة عليها.
– منطقة كشمير الكبرى تتوزع جغرافياً بين ثلاث دول:
١- جامو وكشمير: التي تخضع لسيطرة الهند.
٢- آزاد كشمير وغيلغيت – بلتستان: اللتان تخضعان لسيطرة باكستان.
٣- أكساي تشين: المنطقة التي تسيطر عليها الصين.
هذا التقسيم الجغرافي يعكس التوترات المستمرة بين الدول الثلاث حول حدود المنطقة، حيث أن كل طرف يسعى إلى تثبيت سيطرته على الأرض.
ثانياً: الخلفية التاريخية للنزاع:
النزاع على كشمير يعود إلى عام (١٩٤٧م)، عندما تم تقسيم الهند البريطانية إلى دولتين مستقلتين، هما الهند وباكستان. تم منح الولايات الأميرية خيار الانضمام إلى إحدى الدولتين، وكان من المفترض أن يكون هذا الخيار بناءً على أغلبية الدين في كل ولاية، ورغم أن كشمير كانت ذات أغلبية مسلمة، إلا أن مهراجا كشمير الهندوسي “هاري سينغ” اختار البقاء مستقلاً في البداية، ولكن بعد أن تعرضت المنطقة لهجوم من قبل قبائل مسلحة مدعومة من باكستان، اضطر المهراجا إلى اللجوء إلى الهند للحصول على دعم عسكري، مقابل توقيع “وثيقة الانضمام” التي أعلنت انضمام كشمير إلى الهند، هذا القرار أدى إلى اندلاع الحرب الأولى بين الهند وباكستان في عام (١٩٤٧م)، التي أسفرت عن تقسيم كشمير إلى مناطق تحت سيطرة كل من الهند وباكستان.
ثالثاً: أسباب النزاع:
تعددت الأسباب التي أدت إلى استمرار النزاع في كشمير:
1- الهوية الدينية والعرقية: يشكل المسلمون غالبية سكان كشمير، بينما الهند دولة ذات أغلبية هندوسية، مما أضاف بُعداً دينياً للنزاع، خاصةً في ظل تقاطع الهويات العرقية والدينية في هذه المنطقة.
2- الموقع الجغرافي الاستراتيجي: كشمير تقع في نقطة تماس بين الهند وباكستان والصين، مما يجعلها مركزاً عسكرياً مهماً وذات اقتصاد حيوي في المنطقة.
3- الانتماء السياسي: كل من الهند وباكستان تدعي السيادة الكاملة على كشمير، بينما تدعي الصين السيطرة على منطقة أكساي تشين، ما يعقد أي فرصة لتسوية النزاع بشكلٍ نهائي.
رابعاً: الحروب بين الهند وباكستان:
شهدت كشمير ثلاث حروب رئيسية بين الهند وباكستان:
1- الحرب الأولى (١٩٤٧م – ١٩٤٨م): اندلعت عقب الهجوم الذي شنه مسلحون مدعومون من باكستان على كشمير. انتهت الحرب بفرض خط وقف إطلاق النار وتقسيم كشمير إلى مناطق تحت سيطرة الهند وباكستان.
2- الحرب الثانية (1965م): تمثلت في محاولة باكستان للتوسع في كشمير، ولكنها فشلت بعد معركة شديدة، وانتهت باتفاق “طشقند” الذي فرض هدنة بين البلدين.
3- الحرب الثالثة (1971م): كانت الحرب على خلفية استقلال بنغلاديش، والتي انتهت بهزيمة باكستان، وأسفرت عن تغييرات عميقة في ميزان القوى في المنطقة.
4- نزاع كارغيل (1999م): قتال محدود على مرتفعات كارغيل بين القوات الهندية والباكستانية، انتهى بتدخّل دولي وضغط أمريكي على باكستان للانسحاب.
خامساً: التدخّل الدولي:
على الرغم من أن الأمم المتحدة قد أصدرت قرارات تدعو إلى إجراء استفتاء في كشمير لتحديد مصيرها، إلا أن الهند رفضت ذلك بحجة أن الظروف غير مواتية لإجراء استفتاء آمن. التدخل الدولي اقتصر في الغالب على الوساطات الدبلوماسية، ولكن الدور العسكري والدعم المباشر للمجموعات المسلحة ظل محدوداً. من ناحية أخرى، تعتبر الصين طرفاً أساسياً في النزاع من خلال سيطرتها على منطقة أكساي تشين.
سادساً: الديموغرافيا الكشميرية:
تتميز كشمير بتنوع ديني وعرقي. أغلب سكان منطقة جامو وكشمير هم من المسلمين، بنسبة تُقدّر بحوالي (68٪ – 70%) وهناك أقليات هندوسية وسيخية وبوذية أيضاً.
اللغة الكشميرية هي الأكثر شيوعاً، إلى جانب الأردية والدوجري، مع تأثير كبير من الإنجليزية والهندية في الحياة اليومية. بينما يعتمد الاقتصاد المحلي على الزراعة، والسياحة، والحرف اليدوية، فقد تأثرت هذه الأنشطة بشكلٍ كبير بسبب الحروب والظروف الأمنية المتكررة.
سابعاً: تطور النزاع وظهور الحركات المسلحة:
منذ الثمانينيات، نشأت حركات مسلحة تطالب إما بالاستقلال الكامل لكشمير أو بالانضمام إلى باكستان. من أبرز هذه الحركات:
1- حزب المجاهدين
2- جيش محمد
3- عسكر طيبة
الهند تتهم باكستان بدعم هذه الجماعات، بينما تُصِر باكستان على أن دعمها هو دعم سياسي فقط.
ثامناً: إلغاء المادة (٣٧٠):
في آب عام (٢٠١٩م)، قررت الحكومة الهندية إلغاء المادة (370) من الدستور الهندي، والتي كانت تمنح كشمير حكماً ذاتياً خاصاً. هذا القرار أثار غضب باكستان وسكان كشمير، وأسفر عن اضطرابات أمنية واسعة النطاق وقطع الاتصالات والإنترنت، مما زاد من تعقيد النزاع.
تاسعاً: الفرق في القوى العسكرية والسياسية:
– الهند: تمتلك قوة عسكرية ضخمة، اقتصاد قوي، وعلاقات دولية واسعة، بما في ذلك عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن.
– باكستان: رغم أن حجم قوتها العسكرية والاقتصادية أقل من الهند، إلا أنها تمتلك قدرة نووية وتتمتع بدعمٍ تقليدي من الصين وبعض الدول الإسلامية.
عاشراً: التطورات الحديثة (٢٠٢٠م – ٢٠٢٥م):
استمرت التوترات على الحدود بين الهند وباكستان، مما أضافت تعقيداً للصراع في كشمير. الهند قامت بتعزيز وجودها العسكري في كشمير ولاداخ، في حين انخفض الدعم الشعبي للجماعات المسلحة في كشمير. مع تزايد الانقسام في الرأي العام الكشميري، يبقى مستقبل المنطقة غامضاً بين من ينادي بالاستقلال أو الانضمام إلى باكستان أو القبول بالوضع القائم.
الحادي عشر: حرب الوكالة (أيار ٢٠٢٥م) والمنعكسات الاقتصادية العالمية:
إن التصعيد العسكري على الحدود الهندية الباكستانية ليست مجرد معارك عابرة، بل حرب بالوكالة تدار بأسلحة نووية، فمن الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم الهند عسكرياً ولوجستياً، وتأجج الصراع في محاولة لكشف أوراق الصين. بينما نجد أن الصين تستخدم باكستان كورقة ضغط استراتيجي في حربها الاقتصادية والعسكرية مع أمريكا. وبامتلاك كل من باكستان والهند لأسلحة نووية ودخولهما في حرب طويلة الأمد يعني انهيار للاقتصاد العالمي، لعدة أسباب:
1ـ أزمة الطاقة: وذلك لما لباكستان والهند من موقع حيوي لخطوط إمداد النفط والغاز.
2ـ انهيار طرق الإمدادات العالمية، وهذا يعني تصادم عسكري أمريكي صيني.
3ـ ارتفاع كبير في أسعار الذهب والنفط، ما يؤثر بشكلٍ سلبي على دول الخليج والعالم النامي بشكلٍ خطير
4ـ أزمة غذاء عالمية.
5ـ توقف الاستثمارات الأجنبية وتدهور قيمة العملات، مما يؤدي إلى إضرار في اقتصاد الدول الضعيفة.
إن النزاع في كشمير يعدُّ واحداً من أطول النزاعات الجغرافية والسياسية في التاريخ المعاصر. رغم محاولات الحلول السلمية والوساطات الدولية، فإن الصراع ما زال قائماً، ويزداد تعقيداً مع مرور الوقت.
إن أي تسوية نهائية لهذا النزاع يتطلب توافقاً سياسياً بين الأطراف المعنية، إضافة إلى إدارة حساسة للقضايا الدينية والعرقية والجغرافية التي تعيق السلام الدائم في هذه المنطقة.