قامشلو/ دعاء يوسف ـ أثار تعيين أبو حاتم شقرا، في منصب قيادي للفرقة 86، موجة واسعة من الاستنكار والتساؤلات، لا سيما في الأوساط النسوية، التي رأت في القرار استفزازاً لمشاعر ذوي الشهداء والضحايا، ونسفاً لمبادئ العدالة والمحاسبة، فطالبن بإلغاء هذا القرار.
يُعدّ أبو حاتم شقرا شخصية شديدة الجدل في الساحة السورية، إذ تحيط به اتهامات ثقيلة تتعلق بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، من بينها القتل خارج نطاق القانون، والتهجير القسري، والتعذيب، والسرقة، إلى جانب تورطه في ممارسات وُصفت بأنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وقد عُد قرار تعيينه في الخامس من أيار الجاري 2025 قائداً للفرقة 86، لمناطق الرقة، ودير الزور، والحسكة، “مكافأة لمجرم”، ما فاقم مشاعر الغضب والإحباط لدى شريحة واسعة من المجتمع السوري، وخاصة النساء والناجيات من الانتهاكات.
وجاء هذا القرار الإداري، إهانة صريحة لكل ضحية، وإغفالاً علنياً لقيم العدالة والكرامة الإنسانية، وهو إعلان خبيث بأن الجرائم تُكافأ، وأن القاتل يُزفّ إلى المواقع العليا، بينما تُترك العدالة تنزف بصمت، ومشاريع السلام تُجهض.
غضب نسوي واتهامات بـ “تبييض الجرائم”
إذ يحمل أحمد الهايس سجلاً حافلاً بالاتهامات التي أثارت جدلاً داخلياً ودولياً، ولا سيما بعد أن اتهمته الولايات المتحدة عام 2021 بالتورط المباشر في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ومن أبرز تلك الاتهامات، الإشراف على عمليات إعدام ميدانية في سجن أحرار الشرقية قرب حلب، والانخراط في الاتجار بالأطفال والنساء الإيزيديات، كما أكدت الإدارة الأمريكية تورط مجموعة “أحرار الشرقية” بقيادة أبو شقرا في عمليات اختطاف وتعذيب وابتزاز، ونهب ممتلكات مدنيين، إضافة إلى ضم جماعته في صفوف مرتزقة “داعش”.
كما شارك في اغتيال السياسية الكردية والأمين العام لحزب سوريا المستقبل “هفرين خلف”، التي استشهدت مع سائقها في عملية إعدام ميداني على الطريق الدوليM4 في تشرين الأول عام 2019، أثناء الهجمات التركية على مدينتي سري كانيه وكري سبي، وعدَّت الخارجية الأميركية تلك الجريمة “خرقاً صريحاً للقانون الدولي الإنساني”.
وبعد كل هذه الجرائم المدانة بحقه يتحول اسم أبو شقرا من قوائم الإرهاب إلى مراكز صنع القرار في سوريا. وتعليقاً على هذا التعيين، رأت تنظيمات ومؤسسات نسوية أن الأمر يعكس استخفافاً صارخاً بضحايا الجرائم، وإهانة مباشرة لكرامة المرأة السورية، ولجهود بناء السلام في شمال وشرق سوريا، كما يشكّل صفعة لمبدأ العدالة الانتقالية الذي يُفترض أن يكون حجر الأساس لأي حل سياسي شامل في سوريا.
التعيين إهانة لكرامة المرأة السورية
إذ أصدر تجمع نساء زنوبيا بياناً شديد اللهجة أعرب فيه عن استنكاره لهذا التعيين، واصفه بـ”القرار المشين” الذي يستهين بدماء الشهداء، ويكرّس ثقافة الإفلات من العقاب. البيان حمّل أحمد الهايس مسؤولية مباشرة عن اغتيال الشهيدة هفرين خلف، التي كانت مثالاً للنشاط السياسي النسوي، ومناصِرةً للحوار والتعايش السلمي في واحدة من أكثر المراحل دموية في تاريخ سوريا الحديث.
ووصف البيان الجريمة بأنها “مضاعفة”، لا لكونها استهدفت ناشطة سياسية فحسب، بل لأنها كانت امرأة تحمل رسالة سلام في وقت الحرب. وتساءل التجمع عن كيفية قبول شخصية “متورطة في جرائم بحق المدنيين والنساء”، في أي منصب قيادي، خاصة في مناطق لطالما شكّلت رمزاً للتضحيات التي قدّمتها قوات سوريا الديمقراطية لتحريرها من الإرهاب.
وشدّد بيان التجمع على أن مناطق إقليم شمال وشرق سوريا تحتاج إلى قيادات تؤمن بالقيم المدنية وتحترم حقوق الإنسان، لا إلى شخصيات “مشبوهة وملطخة أيديها بالدماء”، كما طالب التجمع بمحاكمة أحمد الهايس على جرائمه المتعددة، وتقديمه للعدالة لينال جزاءه العادل: “نرفض أي محاولة لتبييض صورته أو منحه الشرعية، ونعتبر أن هذا التعيين وصمة عار على جبين من اتخذه”.
واختتم البيان: “لن ننسى دماء هفرين خلف، ولن ننسى دماء ضحايا جرائم أحمد الهايس، ولن نتوانى عن المطالبة بحقوق المرأة السورية، وسنظل نعمل من أجل بناء سوريا حرة عادلة، تحترم حقوق أبنائها وبناتها”.
التراجع عن القرار والمطالبة بالعدالة
كما رأى مؤتمر ستار في بيان قرِئ أمام مركز محمد شيخو للثقافة والفن في مدينة قامشلو الأربعاء السابع من أيار الجاري، أن هذه الخطوة تعد خطوة عدائية ضد شعوب المنطقة وضد إرادة المرأة السورية الحرة وحقوقها: “نعد مثل هذا التعيين عملاً منافياً للعدالة الانتقالية ولعموم المرحلة الانتقالية التي نحتاجها نحن السوريات والسوريين”.
كما أدان مؤتمر ستار هذه المقاربة غير المسؤولة، وعدها خطوة منافية لاتفاقية العاشر من آذار المنصرم الموقعة بين قيادة قوات سوريا الديمقراطية ورئاسة الإدارة الانتقالية، وخاصة البنود المتعلقة بحقوق الشعوب، وحقوق المرأة.
وطالب البيان بالتراجع الفوري عن هذا القرار المتخذ وتقديم المدعو حاتم أبو شقرا إلى المحاكم المختصة لمحاكمته محاكمة شفافة وعادلة، وتقديم الاعتذار الفوري من عائلة الشهيدة السياسية هفرين خلف التي تم اغتيالها مع مرافقيها.
تابع البيان: “إن مصداقية الإدارة الانتقالية السورية ونتيجة لهذا الأفعال باتت على المحك وذلك في نظر المنطقة والعالم أجمع، ونحذر الإدارة الانتقالية من أن المقاربات الإيجابية التي تبديها بعض الحكومات الإقليمية لن تشفع له لما ارتكبه من أفعال ومقاربات غير وطنية”.
تكريس سياسة الإفلات من العقاب
الغضب الشعبي لم يقتصر على البيانات الرسمية، إذ نظم مجلس المرأة في حزب سوريا المستقبل وقفة احتجاجية استنكاراً للتعيين، رُفعت خلالها شعارات “تتويجاً للجلادين”، محذرا المجلس من أن منح مثل هذه الشخصيات أدواراً قيادية يعني إعدام الحقيقة، ودفن الأخلاق، وتخلي الدولة عن التزاماتها تجاه مواطنيها.
وأكد المحتجون أن تعيين شخصية مثل أحمد الهايس لا يمثل فقط خيانة للضحايا والشهداء، بل يشكّل تهديداً مباشراً لأي فرصة حقيقية لتحقيق العدالة الاجتماعية والمصالحة الوطنية.
وطالبوا بإعادة النظر فوراً في القرار، وإعادة الاعتبار لمبادئ العدالة ومحاسبة الجناة، لا مكافأتهم: “إن تعيين شخصية مدانة أخلاقياً وملاحقة دولياً يمثل تحديا سافرًا لتطلعات الشعب السوري في بناء دولة القانون والأسوأ من ذلك، فإن هذا التعيين هو إعلان عداء مباشر للمرأة السورية الحرة والوطنية، ويؤكد مضي سلطة دمشق الحالية في نهج القمع والتهميش، بعيدًا عن أي نية حقيقية للحل السياسي”.
وأكدوا: “أن سوريا المستقبل يجب أن تُبنى على أساس نظام ديمقراطي لا مركزي، ودستور توافقي يضمن حقوق المكونات، ويؤسس لعدالة انتقالية شاملة. كما نطالب القوى الوطنية السورية، ومنظمات حقوق الإنسان، والمجتمع الدولي، باتخاذ مواقف واضحة ضد هذه الخطوة”.
واختتم مجلس المرأة في حزب سوريا المستقبل: “لن يُسمح بتحويل القتلة إلى أصحاب قرار، وصوتنا سيظل عاليًا من أجل العدالة، والحرية، والمساواة”.
العدالة لا تُؤجل
في ختام موجة الإدانات، التي أجمعت بها التنظيمات النسوية على أن القرار يمثل نكسة خطيرة في مسار العدالة الانتقالية في سوريا، ويهدد بإجهاض ما تبقى من ثقة المواطن بمؤسسات الحكم والإدارة، خاصة في المناطق، التي شهدت تضحيات هائلة لطرد التنظيمات الإرهابية وبناء إدارة مدنية. فالنساء، اللواتي دفعن الثمن الأكبر في سنوات الحرب، وجدن أنفسهن اليوم في مواجهة قرار يعيد أحد أبرز المتهمين بانتهاك حقوقهن إلى واجهة السلطة، ما دفعهن للمطالبة بإلغاء التعيين ومحاسبة المسؤولين عنه.
في ظل هذا التصعيد، تظل الأنظار مشدودة نحو الإدارة الانتقالية السورية، ومدى استعدادها للاستجابة لمطالب الشارع الغاضب، وسط تحذيرات من أن المضي قدماً في هذا القرار سيكرّس الانقسام، ويُقوّض أي جهد لإعادة بناء الثقة والسلام في البلاد