هيفيدار خالد
في خطوةٍ صادمة ومستفزة، عيّنت السلطة الجديدة في دمشق المرتزق والمجرم أحمد الهايس، المعروف بـ”أبو حاتم شقرا” – وهو المتورط في اغتيال السياسية الكردية السورية والأمين العام لحزب سوريا المستقبل، الشهيدة هفرين خلف – قائداً لما تُسمى “الفرقة السادسة والثمانين” في المنطقة الشرقية، التي تضم مدن دير الزور والحسكة والرقة. تم هذا التعيين بعد سنوات من جريمة اغتياله لها بدمٍ بارد، خلال الهجوم التركي الواسع على شمال وشرق سوريا واحتلال مدينتي سريه كانيه وكري سبي/ تل أبيض.
وقد أثار القرار غضباً عارماً في الأوساط السياسية والحقوقية والإعلامية، لا سيما في صفوف النساء والمنظمات النسوية، لما يحمله من دلالات خطيرة حول مستقبل العدالة الانتقالية في سوريا، في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة هيئة تحرير الشام على مفاصل السلطة.
من الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة أدرجت “أبو حاتم شقرا” على قائمة العقوبات، لتورطه في انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، شملت القتل والخطف والتعذيب، ومصادرة الممتلكات، إلى جانب تجنيد عناصر من تنظيم داعش الإرهابي ضمن صفوفه. كما تشير التقارير إلى ضلوعه في عمليات اتجار بالبشر، تحديداً في النساء الإيزيديات اللواتي اختُطفن خلال اجتياح مرتزقة داعش لمنطقة شنكال، حيث ارتكب مجازر مروعة بحق النساء والأطفال والمسنين.
فكيف يُعقل أن يتقلّد رجل تلطّخت يداه بدماء السوريين، وعلى رأسهم هفرين خلف، منصباً قيادياً في البلاد؟!
كيف يمكن لمجرم وجلاد أن يصبح ممثلاً عن الشعب السوري؟
أي رسالة توجهها هذه التعيينات؟
لا يمكن فهمها إلا على أنها استفزاز صارخ لشعوب المنطقة، وخطوة تناقض كل مساعي العدالة والمصالحة الوطنية. كل هذه المستجدات تؤكد أن سوريا، بعد هذه التعيينات المثيرة للجدل، لم تعد آمنة كما يطمح السوريون. بل إن النهج المتبع من قبل السلطة الحالية يشي بانحدار سياسي وأخلاقي خطير، تُقصى فيه الكفاءات وتُكافأ فيه الأيادي الملطخة بالدماء. وهو ما يبعث على القلق، خصوصاً لدى النساء، لما يحمله من ترسيخ لثقافة العنف ضد المرأة وتطبيع القتل كوسيلة للوصول إلى السلطة.
إن تعيين مجرمي حرب في مواقع قيادية حساسة، بدلاً من تقديمهم إلى المحاكمة، يضرب بعرض الحائط مسار العدالة الانتقالية، ويبعث برسالة مفادها أن الإجرام صار طريقاً نحو النفوذ، لا نحو العقاب. وهذا بحد ذاته يهدد مستقبل سوريا برمّته، خاصةً في ظل التطورات السياسية والقرارات التعسفية التي تصدرها السلطة الحاكمة دون مراعاة للتنوع الثقافي والعرقي والديني في البلاد.
بطبيعة الحال، قوبل تعيين الإرهابي المرتزق “أبو حاتم شقرا” برفض واسع في أوساط شمال وشرق سوريا، حيث عبّرت مختلف الشعوب عن سخطها من هذه القرارات التي تستخف بدماء الشهداء وتنسف الجهود الرامية إلى بناء سوريا عادلة وديمقراطية.
إذ إن مثل هذه الخطوات لا تحترم تضحيات الشعب السوري في وجه الإرهاب، بل تُجهض أي فرصة لتحقيق العدالة السياسية والاجتماعية، وتعزز العقلية الإقصائية التي تهدد النسيج الوطني السوري، وتعرقل الحل السياسي الحقيقي القائم على التعددية والعدالة.
إن المطلوب اليوم هو مساءلة القتلة، لا ترقيتهم؛ محاسبة من تلطخت أيديهم بدماء النساء السوريات، لا مكافأتهم بالرتب والمناصب. فإن لم يحدث ذلك، فإن سوريا، بكل تنوعها وأحلام شعبها، ستبقى رهينة لسلطة لا ترى في الجريمة عاراً، بل سلّماً للسلطة.