علي زاخراني
تناولنا في الجزء الأول من هذا المقال اهتمام الإسلام بالنظافة من خلال الحض على الطهارة والاهتمام بنظافة البيئة ونهى عن الإضرار بالبيئة من قطع الأشجار ورمي القمامة، وأمر بإماطة الأذى من الطريق، وفي هذا الجزء سنستأنف موضوع اهتمام الإسلام بالنظافة.
وأما من الناحية التاريخية، فقد ظل المسلمون يحافظون على بيئتهم ونظافة أنفسهم، ظاهرا وباطنا، ونظافة كل ما حولهم، ويعتبرون ذلك عبادة وقربة يتقربون بها إلى الله تعالى. فقد حافظ الإسلام على البيئة بالنهي عن الإضرار بها، والأمر بالمحافظة عليها، ومن الأمور التي نهى الله عنها لحفظ البيئة، الإفساد في الأرض عموما، كما في قوله تعالى: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}.
ومما ينبغي على المسلم حين التنزه والخروج للبراري والمساحات الخضراء الحرص غاية الحرص على نظافة المكان، وتركه كما كان، أو أحسن مما كان قدر الإمكان، وهذا مما جاء به الشرع وحث عليه. وكذلك المحافظة على الأشجار والنباتات، وتجنب تلويث الحدائق والمنتزهات، ببقايا الأطعمة والنفايات، والمخلفات البلاستيكية والزجاجية التي تضر بالإنسان والنبات والحيوان، وكذلك البعد عن الاحتطاب والرعي الجائر، كما يلاحظ عدم إشعال النار إلا في الأماكن المسموح بها، وإطفاؤها ليلا عند النوم، وعند مغادرة المكان.
إن تلك الصبغة الجمالية التي تميز الطبيعة، على اختلاف مكوناتها، ليست إلا تطبيقا لقاعدة عامة أقرها الله سبحانه وتعالى في كل ملمح من ملامح الكون، كما أحب لعباده أن يتخلقوا بها، تلك هي (قاعدة الجمال)! فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله جميل يحب الجمال”.
وفي جانب العبادات، حث الإسلام على النظافة والنزاهة من الأقذار الحسية والمعنوية، فمفتاح الصلاة الطهور، والطهارة من شروط الصلاة، ولا تتم إلا بوجود ماء طهور لم يتغير لونه أو طعمه أو رائحته، فإن يجد فالصعيد الطيب طهوره، والغسل والاستحمام لا يتم إلا عند توفر ماء طهور نقي من التلوث وكدر الأوساخ.
والبقعة التي يصلي عليها المسلم لابد أن تكون نظيفة، فإذا تلوثت الأرض، فإن الصلاة لا تصح عليها؛ قال صلى الله عليه وسلم: “وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل”.
والمساجد بيوت الله، ودور العبادة والعلم، واجب صيانتها وتطهيرها معنى وحسا؛ قال تعالى: {وإذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بِبناء المساجد في الدور، وأن تنظف، وتطيب”، وزجر عليه الصلاة والسلام عن ارتياد المساجد بما فيه رائحة تؤذي، فقال: “من أكل ثوما أو بصلا فليعتزِلنا، أو ليعتزِل مسجدنا وليقعد في بيته”.
ولمكافحة التلوث البيئي، قال صلى الله عليه وسلم: “اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ قالوا: وَما اللَّعَّانَانِ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: الذي يَتَخَلَّى في طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ في ظِلِّهِمْ”.
وهذا يدل على كمال الشريعة الإسلامية وسموها؛ من حيث النظافة والنزاهة، وبعدها عن القذارة والوساخة، وتحذيرها عما يضر الناس في أبدانهم وأديانهم وأخلاقهم.