قامشلو/ دعاء يوسف – داخل مركز إيواء في مدينة قامشلو، تتقاسم ستون عائلة عفرينية غرفها، وسط نقص في الخدمات الصحية، والخدمية، يشاركون آلامهم ومعاناتهم، متأمّلين بعودة آمنة بعد أن قُطعت بهم السُبل بين وطن مسلوب ومستقبل معلّق.
لا شيء يشبه الخروج من الديار إلا الموت، لكنه موتٌ على قيد الحياة، وفي لحظةٍ ما، يصبح الوطن حقيبة، والبيت ذاكرة، والهوية ورقة تذبل على الطرقات، وفي كل رحلة تهجير، حكاية مقتولة، ودمعة مؤجلة، وطفل يتعلم كيف يكبر دون أن يعرف ما معنى “الوطن”. فكيف يكون حال مهجري عفرين، الذين عانوا التهجير مرتين، بحثاً عن أمل عودة أمنة إلى مدينتهم.
أماكن بلا عناوين
في أحد مراكز الإيواء في مدينة قامشلو، والذي يحتضن نحو 60 عائلة مهجرة من عفرين، تتفاقم معاناة السكان يومًا بعد يوم وسط تدهور الأوضاع المعيشية، وغياب الحلول الجدية، فالعائلات التي يتراوح عدد أفرادها من شخصين إلى سبعة أشخاص، تعيش ظروفًا صعبة في مكان غير مجهز ليكون بديلًا عن منازلهم، التي هُجّروا منها قسرًا.
وما فاقم حالهم سوءًا، انقطاع الكهرباء منذ أيام عديدة، والذي أدى بالتالي إلى انقطاع المياه، حيث يعتمد المركز على ثلاثة خزانات سعة كل منها لا تتجاوز عشرة براميل لتلبية احتياجات نحو 235 شخصًا، وتزداد الأزمة مع شحّ المواد الغذائية، إذ تتلقى العائلات لترين فقط من الزيت كل أربعين إلى خمسة وأربعين يومًا، ولا يوجد أي دعم مستمر لتأمين الخبز، حيث كان يُوزّع سابقًا من المجلس المحلي، لكنه الآن يُباع للسكان، رغم انعدام فرص العمل والدخل.
وخلال زيارتنا مركز الإيواء كانت المرافق الصحية الأساسية شبه غائبة، فلا يوجد حمامات مجهزة، فقط مراحيض محدودة لا تفي بحاجة العدد الكبير من القاطنين، والتي تغلق بسبب انسداد المصارف، لضعف الخدمات الصرفية عموماً.
احتياجات كبيرة منسية
وفي الصدد، التقت صحيفتنا “روناهي” عضوة الكومين المسؤول عن هذه العوائل “نازي نبي نبو” والتي تحدثت عن المعاناة واحتياجات المركز: “أهالي عفرين ليسوا فقراء، أو جياعاً، فهم عزيزو النفس؛ ليطالبوا بكسرة خبز أو كيس من الأرز، ولكن الزمان جار علينا وأجبرنا على ترك أملاكنا، ومنازلنا مرتين، ولهذا نعاني من تأمين احتياجاتنا مع نقص المساعدات، وغياب فرص العمل”.
كما شرحت وضع الصرف الصحي والمواد الغذائية وصعوبة تأمين الخبز: “الماء الذي أضحى ترفًا بعيدًا، يُقتصد فيه كما يُقتصد في النَفَس، فثلاثة خزانات لا تتسع لحاجة 235 إنسانًا، والخبز لم يعد مجانيًا كما كان في السابق، حيث أصبح كل رغيف يُشترى بوجع، والأهالي لا تعارض ولكن لا يوجد مورد عمل لهم إلا في الأحلام”.
وتابعت: “كما أن المرافق الصحية شبه معدومة، لا حمامات تحترم الكرامة، والمضخة لا تُرسل إلا بعد أن تُغلق المصارف يومين أو ثلاثة، وأن الاحتياج البشري البسيط يُؤجل هنا إلى أجل غير مسمى”.
وتطرقت إلى صعوبة هامة يعاني منها الأهالي: “الأوضاع الصحية في المركز متدهورة، لا توجد سيارات إسعاف أو زيارات من الهلال الأحمر الكردي، ففي المركز مرضى قلب وضغط وسكري، بالإضافة إلى أطفال من ذوي الإعاقات، ولا يتوفر لهم أي نوع من الرعاية أو الدعم الطبي، والمهجرون تقدموا بطلبات للمساعدة، لكنهم لم يتلقوا أي رد حتى الآن”.
آمال معلقة بعودة آمنة
وبدوره، نوه المهجر “رسول شيخ محمد“: “عانينا من التهجير مرتين، الأولى عندما سيطر الاحتلال التركي على عفرين عام 2018، والثانية عندما غادرنا الشهباء مرغمين، رأينا مدينتنا تُقصف وتُجرف أشجارها، وخرجنا منها قسرًا في ظل صمت دولي كامل”.
وأضاف بمرارة لا تطفئها السنون: “استقبلتنا الإدارة الذاتية الديمقراطية رغم إمكاناتها المحدودة، لكننا لا نشعر بالأمان لنعود إلى عفرين فنحن لا نثق في قوات دمشق، بسبب ما شهدناه من اعتقالات وتجاوزات وصمت وخيانة، خاصة في الساحل السوري وصحنايا، وجرمانا، نريد العودة إلى عفرين، لكن نريدها عودة محمية لا عودة إلى الذبح”.
كما بين المهجر “رسول شيخ محمد” في ختام حديثه، أن مراكز الإيواء لا تعطي خصوصية للأشخاص ولكنهم يتعايشون كعائلة واحدة في هذه الظروف التي وصفها بالصعبة متغلبين على الصعوبات متقاسمين المعاناة، وطالب في ختام حديثه بعودة آمنة إلى وطنه عفرين: “نحن نطلب من قوات سوريا الديمقراطية الحماية إذا كانت هناك إمكانية للعودة، فنحن لا نثق سوى بقواتنا”.